فى كتاب «أمراء الدم صناعة الإرهاب من المودودى إلى البغدادى» يقترب المؤلف العميد خالد عكاشة، الخبير الأمنى البارز، من صناع الإرهاب وأمرائه، بداية من المودودى مفكر الدولة الإسلامية الأول وصاحب فكرة الحاكمية لله وتكفير المجتمعات، وقد تبنت الجماعات الإسلامية فى العالم العربى هذا الفكر ونقلته إلى المجتمع العربى على يد سيد قطب الأب الروحى للكثير من التنظيمات الإسلامية والجهادية فى العالم، وصولًا إلى تنظيم داعش، كيف نشأ وكيف تحول لدولة إسلامية ومن جعله التنظيم الإرهابى الأكثر ثراء؟
يصف الكتاب أبو الأعلى المودودى بمفكر الدولة الإسلامية الأول على حد تعبير الكاتب، الذى قرر إنشاء تنظيم خاص أسماه «الجماعة الإسلامية» فى الهند عام ١٩٤١، استمر فى الدعوة للدستور الإسلامى معلنًا حرمة قسم الجنود والموظفين على الولاء للدولة، ما لم تعلن الدولة التزامها بالإسلام مرجعية للحكم، وكانت تلك المحطة هى بداية بذر «فكر تكفير الدولة»، له العديد من المؤلفات التى بلغت ١٢٠ كتابًا تعتبر مرجعية فكرية لكثير من التنظيمات الإسلامية، يعتمد المودودى على فكرة «حاكمية الله» والدعوة إلى دولة دينية يحكمها رجال باسم التفويض الإلهى معلنًا رفضه الديمقراطية والعلمانية واصفًا المجتمعات بالجاهلية والحكم عليها بالكفر، أصّل المودودى لركن السمع والطاعة بتوجه يحدد بأن الدين هو الإيمان والتسليم بمعطياته، دون إعمال لعقل أو إقامة لبرهان على صحة الإيمان، ولذلك غاب الحوار وانعدم النقاش.
وقد تبنت الجماعات الإسلامية فى العالم العربى هذا الفكر ونقلته إلى المجتمع العربى، وصارت الحركات الإسلامية العربية تحكم على المجتمع المسلم أنه مجتمع جاهلى وتكفر الدولة والأفراد والمجتمع، وتدعو إلى الحاكمية التى تعنى أن الحاكم الحقيقى هو الله وليس لأحد من دون الله شىء من أمر التشريع.
الكتاب يحدثنا أيضا عن تنظيم داعش، الذى نشأ بعد دخول القوات الأمريكية للعراق فى عام ٢٠٠٣ تحت قيادة الأردنى «أبو مصعب الزرقاوى» كفرع للقاعدة فى العراق تحت مسمى قاعدة الجهاد فى بلاد الرافدين لقتال القوات الأمريكية، واستطاع ضم مجموعات إسلامية مسلحة أخرى، فضلًا عن استقطابه مقاتلين من مختلف أنحاء العالم، وشهد عام ٢٠٠٦ ممارسات عنيفة من قبل تنظيم القاعدة فى العراق ضد المدنيين عندما حاول إشعال حرب طائفية بين السنة والشيعة، ومع انسحاب القوات الأمريكية من العراق عام ٢٠١٢ ظهر بقيادة البغدادى جيل ثالث من عناصر التنظيم، أطلق على نفسه اسم الدولة الإسلامية فى العراق، أكثر تشددًا من القاعدة، ويؤمن بضرورة القتال دون توقف ضد كل من يختلفون عنه، أجنبيًا أو عربيًا.
قاد التنظيم أبو بكر البغدادى، القائد الثالث لفرع تنظيم القاعدة فى العراق سابقًا، والملقب بأمير دولة العراق الإسلامية، الذى تمكن من جذب أنظار الجهاديين وتعاطفهم على مستوى العالم بعد إعلانه «الخلافة الإسلامية» التى تعد الهدف الأسمى لكل الجهاديين فى العالم.
يجرى الكاتب مقارنة بين تنظيم داعش وتنظيم القاعدة (التنظيم الأكبر والأعنف تاريخيا)، الثانى مجموعات متناثرة هنا وهناك تنفذ عمليات مسلحة محدودة بالمكان ومحسوبة بالتداعيات، أما داعش فأشبه بجيش نظامى ظاهر للعيان فى الكثير من مناطق السيطرة وغير السيطرة، بالإضافة إلى أن مقاتلى داعش ينتظمون فى سرايا مكتملة تقوم بشن عمليات حربية هى أقرب إلى الحرب النظامية، كل ذلك لا يعنى أن داعش قد أقلع عن أسلوب القاعدة الشهير بتفجير السيارات المففخخة والانتحاريين، فهو يعتمدها كخطوة عسكرية لازمة لإنجاز خطوة تليها.
والسؤال الذى يطرح نفسه ما الذى جعل تنظيم داعش يتمتع بكل هذه القوة والنفوذ والقدرة على التوسع؟
يجيب علينا الكاتب قائلًا: يرجع تنامى نفوذ وسيطرة داعش إلى عاملين، الأول اقتصادى متمثل فى تعدد مصادر تمويل داعش بالاستيلاء على الموارد الطبيعية، وتحديدًا النفط، العامل الثانى سياسى يتمثل فى غياب الدولة القوية التى سمحت بوجود مثل هذه التنظيمات غير الرسمية.
ويعتمد منهج داعش على مزيد من التكفير الصريح لكل ما هو خارج عن التنظيم، والاعتماد على الخطاب الإعلامى بشكل أساسى، ويسميه «الجهاد الإعلامى»، وهو ما أتاح لها فرصًا لم تكن تتخيل اتساعها وامتدادها، فتصدرت أخبارهم المواقع الجهادية ووسائل الاتصال الاجتماعى
نحن أمام نمط جديد من الإرهاب شديد الخطورة، والأكثر تطورًا من الناحية التكتيكية، بتوسع حقيقى ليس فى الشرق الأوسط فقط، وإنما فى العديد من البلدان، من بينها أوروبا وأمريكا، ففى الشرق الأوسط وسع التنظيم نفوذه بحصوله على ولاء جماعة «أنصار بيت المقدس» أخطر الجماعات المتطرفة فى مصر، وفى درنة تلك المنطقة التى ذبح فيها المصريين فى شرق ليبيا سار مئات الشبان المقاتلين مؤخرًا على متن سيارات تعلوها الراية السوداء الخاصة بداعش، وفى باكستان أعلن أعضاء منشقون عن حركة طالبان ولاءهم للتنظيم، فيما أعلنت منظمات قوية مثل تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب، وفى اليمن، وفى المغرب دعمها لداعش.