يقترب السباق إلى البيت الأبيض من نهايته وينتظر الشعب الأمريكى لحظة الاختيار الأخيرة بين أحد مرشحى الرئاسة، إما مرشح الحزب الجمهورى، دونالد ترامب، أو مرشحة الحزب الديمقراطى، هيلارى كلينتون، وسواء هذا أو تلك كلنا يعلم أن اهتمام المواطن الأمريكى ينصب على قضاياه الداخلية فى المقام الأول من خفض فى الضرائب وزيادة فى الخدمات والاستفادة من المساعدات الاجتماعية الحكومية، وبالتالى يظل هدف أى أمريكى هو فى الحصول على أكبر جزء من كعكة المرشح الرئاسى سواء كان جمهوريًا أو ديمقراطيًا.
وما يعنينا نحن العرب والمسلمين فى هذا الصدد كيفية التعاطى مع أهداف السياسة الخارجية الأمريكية فى الشرق الأوسط التى فى ظل الإدارات المتعاقبة، مهما تعددت أشكالها، إلا أن مضمونها ظل واحدًا حيث فى الأغلب كانت تأخذ موقفًا معاديًا للقضايا العربية على مدى عقود طويلة، ومن ثم يصبح منطقيًا ألا نجد على رأس أولويات أى رئيس أمريكى الهموم العربية، ولم يكن هناك اقتراب من شئوننا إلا إذا تقاطعت مع المصالح الأمريكية، مع الأخذ فى الاعتبار ضعف اللوبى العربى والإسلامى فى الولايات المتحدة، رغم وجود عدد كبير من العرب والمسلمين يعيشون على الأراضى الأمريكية، حيث لا تشكل جماعات الضغط المنتمية للعالم العربى - إذا وجدت - تأثيرًا فى صنع القرار الأمريكى تجاه مشكلات وقضايا الشرق الأوسط.
ومن هنا أعتقد أن الرئيس الأمريكى لن يختلف عن سابقيه فى التعاطى مع الشأن العربى، لكن نقطة الاختلاف فى تقديرى بين هذا الرئيس القادم ومن سبقه فى البيت الأبيض الظرف الآنى للمنطقة العربية، أو دعونا نقول طبيعة خريطة الشرق الأوسط الحالية التى أصبحت تتسم بالسخونة والتوتر بعد وقوع ما يسمى «ثورات الربيع العربى» قبل خمس سنوات فى المنطقة، وقد تمخض هذا الوضع عن انهيار نظم تقليدية وقيام نظم جديدة ما زال بعضها يتلمس الخطى، والبعض الثانى يعانى من عدم الاستقرار، فيما حافظ البعض الثالث على توازنه فى ظل أنواء وتحديات تعصف بالعالم العربى، وتستهدف تفتيته وتحويل دوله إلى دويلات تحت مسميات مختلفة مثل «الشرق الأوسط الجديد» الذى تنبأ به فى التسعينيات من القرن الماضى السياسى الإسرائيلى شيمون بيريز.
كما أن هيلارى كلينتون نفسها قد أوضحت موقفها من خلال كتابها الأخير «الاختيارات الصعبة» HARD CHOISES الذى لخص توجهات مرشحة الرئاسة الأمريكية وتنبأ بالربيع العربى فى الفصل الخامس من الكتاب الذى يعتبر مذكرات كلينتون خلال توليها وزارة الخارجية الأمريكية وصدر عام ٢٠١٤، وأوضح ما سمى فى أدبيات السياسة فى السنوات الأخيرة بـ«الفوضى الخلاقة»، وهكذا نجد أنه لم يعد خافيًا على أحد أن أمتنا تواجه إصرارًا من بعض الأطراف الدولية، وفى مقدمتها الولايات المتحدة وإيران، على إعادة صياغة الخريطة العربية لصالح هذه الأطراف، وهو أمر بالطبع لن تقبله الشعوب العربية، غير أنه يجب التمييز بين الرغبة فى عدم القبول واتخاذ موقف يترجم عدم القبول هذا.
ونرى أنه شأن يتعلق أولًا بالحكومات العربية ذاتها ثم يتعلق بالتنظيم الإقليمى العربى المتمثل فى جامعة الدول العربية ثانيًا، ومن بين المواقف المنتظرة تحديد الموقف العربى تجاه الوافد الجديد إلى البيت الأبيض خاصة إذا فاز فى انتخابات الرئاسة دونالد ترامب، الذى يتميز بفكر عنصرى قريب الشبه بفكر أدولف هتلر النازى، لا سيما فى نظرته للعرب والمسلمين، ونجده يسيطر على خطابه رغم محاولاته التخفيف من حدة هذا الخطاب بعد اختياره مرشحًا للرئاسة عن الحزب الجمهورى!!
على كل حال الوافد الجديد إلى البيت الأبيض، بغض النظر عن اسمه وحزبه وتوجهه، سيجد أمامه ملفات قادمة من الشرق الأوسط يتصدرها الموقف فى سوريا وليبيا والعراق واليمن وفلسطين، كما لا يمكن أن يتغاضى عن الحرب ضد الإرهاب وخطط تركيا وإيران وإسرائيل الإقليمية فى الشرق الأوسط، وفى اعتقادى أنه من الأفضل أن نساهم - بدور ما - نحن العرب فى توجيه وصياغة هذه الملفات قبل عرضها على الرئيس الجديد من وجهة نظر أمريكية، وهذا يتطلب تحركًا عربيًا مشتركًا يتعاطى بواقعية مع هذه الملفات، فمنذ عام ٢٠١١ ولا توجد رؤية عربية موحدة تجمع العرب على قلب رجل واحد لمواجهة الخطر المحدق بالوجود العربى، ما أدى إلى منح أعداء الأمة فرصة ذهبية للعبث بمقدراتها والتربص بمستقبلها، وتسبب هذا فى عدم خلق مساحة من الحوار مع واشنطن فى اتجاه الضغط لتغيير المفهوم الأمريكى للقضايا العربية!