مثل مشروع قناة السويس أملًا للمصريين للخروج من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى مرت بها مصر عقب اندلاع ثورة ٢٥ يناير، وتنحى مبارك عن الحكم والأحداث التى تلتها، اتجهت أذهان الاقتصاديين والمفكرين صوب تنمية محور قناة السويس بوصفه إنقاذًا عاجلًا ومستديمًا للاقتصاد المصرى، خاصة بعد تدهور السياحة فى مصر عقب ثورة ٢٥ يناير، وما تلاها من أحداث واستنزاف الحركات الاحتجاجية لكثير من الاحتياطى النقدى، فكان التفكير فى حل عاجل ينعش الاقتصاد المصرى، وألا تتحمل فيه الحكومة المصرية نفقات إنشائه، فعرض المشروع على الشعب المصرى من خلال تسويق وسائل الإعلام له ومشاركة العديد من المؤسسات فى هذا المشروع، ما شجع كثيرًا من الموطنين للإسهام فى المشروع، وقد بلغ الاكتتاب العام للقناة ٦٤ مليار جنيه مصرى.
فى ٥ أغسطس ٢٠١٤ أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى عن البدء فعليًا فى إنشاء مجرى ملاحى جديد لقناة السويس، وتعميق المجرى الملاحى الحالى، وتنمية محور قناة السويس بالكامل، وهذا يعنى أن المشروع ينطوى على مرحلتين، الأولى: الحفر والتعميق، والثانية: تنمية محور قناة السويس بالكامل، وأشار السيسى إلى ضرورة الانتهاء من حفر قناة السويس فى عام واحد، وأجرى حفل الافتتاح فى أغسطس ٢٠١٥.
وقد أجرى الباحث د. حلمى محمود محسب، رئيس قسم الإعلام الإلكترونى بكلية الإعلام بجامعة جنوب الوادى، دراسة مهمة يقوم فيها بتحليل أيقونولوجى لصور قناة السويس على موقع صور جوجل، حيث واكب مشروع قناة السويس كثيرًا من الصور الخاصة بالحفر وزيارات متعددة للقناة من قبل الكثير من مؤسسات الدولة وممثليها والوزراء...إلخ، إلا أن أكثر الصور إثارة للتحليل وأكثرها شهرة وسيظل التاريخ يذكرها صورة الرئيس السيسى بالزى العسكرى على يخت المحروسة، وبجواره الطفل المريض بالسرطان.
تحمل صورة تجول السيسى فى قناة السويس على يخت المحروسة فى يوم افتتاحها العديد من الدلالات الأيقونولوجية، فإن يخت المحروسة الذى ينتمى لأسرة محمد على دليل على أن أسرة محمد على، وبشكل خاص سعيد وإسماعيل هما اللذان مهدا لحفر قناة السويس من خلال تقديم الأول لامتياز حفر قناة السويس، وحفر القناة وافتتاحها فى عهد الثانى، فإن يخت المحروسة نوع من الوفاء لأسرة محمد على. جاءت صورة الرئيس وهو يرتدى الملابس العسكرية كنوع من رد الجميل إلى القوات المسلحة ووقوفها فى كل الأزمات بجوار الشعب المصرى، وقيامها بالعديد من الأدوار العسكرية والاجتماعية وحفظ الأمن داخليا وخارجيا، ودورها فى بناء قناة السويس، كما يعنى الزى العسكرى اعتزازه بانتمائه إلى القوات المسلحة، والتأكيد على أنه فرد منها فى إشارة للتماسك والتوافق بين الرئاسة والقوات المسلحة.
كما أن الصورة احتوت على طفل مريض بالسرطان، يشارك الرئيس الاحتفالية، ويحمل علم مصر مرتديًا الزى العسكرى، يحمل وجود الطفل العديد من الدلالات الإيقونولوجية، أن الأطفال هم أمل مصر، ورعاية الدولة لمرضى السرطان ممثلة فى رئاسة الجمهورية وجيش مصر ودوره الاجتماعى فى رعاية مرضى السرطان.
لم يغب علم مصر عن المشهد، فحمل الرئيس علم مصر بيده اليسرى، دليل على الوطنية، وإعلاء مصر، فربما يرجع حمل علم مصر ناحية اليسار لقربها من القلب، ولتلويح الرئيس بيده اليمنى للقوات المسلحة، ولكن على الرغم من كل هذه السمات الإيجابية إلا أن وضع العلم ناحية اليسار يراه البعض أنه لا يحمل سمات إيجابية، لأن علم مصر كلما كان ناحية اليد اليمنى كان دليلا على الخير لارتباط اليد اليمنى بالخير، وكان من الأجدر على منسقى الاحتفالية أن يضعوا العلم ناحية اليمين على سارى علم ليظل ثابتا طوال مشهد التصوير. ووفقا لهذا الطرح تمثل قناة السويس ارتباطًا عاطفيًا لدى المصريين، فهى بمثابة المرآة التى تعكس تاريخ مصر وتجسده فى ثنائيات متعارضة، فقد كانت بداية حفر القناة مقرونة بأحادية الذل وضعف الإرادة، التى تلاشت معها ملامح الكبرياء التى كانت سائدة فى عصر محمد على، وكذلك ضعفت إرادة الدولة وسيادتها على أرضها، وبدأ الاقتصاد المصرى فى التهاوى جراء سياسات الخديو إسماعيل غير المحسوبة، وهو ما صورته رسومات الفلاحين وهم يحفرون القناة مشفوعة بالذل والهوان مقابل لقمة العيش أو السخرة، وقد تحولت قناة السويس واحتفالاتها إلى ذكرى مؤلمة فى أذهان المصريين، مقرونة بضياع القناة وبيعها بالمجان لكل من فرنسا وإنجلترا، فضلًا عن انتهاء هذا المشهد باحتلال الإنجليز لمصر عام ١٨٨١، وبالتدريج أصبحت قناة السويس دولة داخل الدولة لا سيادة للحكومة المصرية عليها.
وفى النهاية أقول إنه فى عهد الرئيس السيسى تحول حفر القناة إلى مصدر للفخر والعزة الوطنية وقوة الإرادة والوقوف فى وجه أهل الشر الذين يحاولون التشكيك فى كلَ إنجاز، وإخماد طاقة الأمل فى نفوس المصريين، ولكن أبدًا لن يموت الأمل فى الغد، وسيظل المصريون فى رباطٍ إلى يومِ يُبعثون.