أثارت المفاوضات حول قرض صندوق النقد الدولى مناقشات كثيرة داخل مصر وخارجها عن طريقة السداد ومخاطره على الاقتصاد المصرى.
وفى آخر الأسبوع تم إعلان نجاح عملية القرض الذي بلغ ١٢ مليار دولار، وأعلن وزير المالية أن الشريحة الأولى تصل خلال شهر ونصف الشهر، والاتفاق أرضى جميع الأطراف، لأنه في نهاية المطاف سيقيم توازنا بين الدين الداخلى والدين الخارجى.
وكان لمدحت الشريف وكيل اللجنة الاقتصادية -وهو صاحب عقلية متفتحة- رأى صريح بأن الاتفاق هو بمثابة شهادة نجاح للبرنامج الاقتصادى للحكومة، وأن قرض الصندوق سيوجه أساسا لدعم المشروعات القومية.
أما رئيس بعثة صندوق النقد الدولى، كريس جارفيس، فقد أكد أن مصر في حاجة ماسة إلى استعادة الاستقرار الاقتصادى من خلال خفض عجز الموازنة والدين العام والتضخم، وتكوين احتياطات كافية من النقد الأجنبى، وتكلم جارفيس أيضا بأن العدالة في الاقتصاد تؤدى إلى ضمان انتفاع كل أفراد المجتمع بمكاسب النمو، وإتاحة الوظائف وتوفير فرص لنمو مؤسسات الأعمال.
وأكد رئيس بعثة الصندوق أهمية موضوع مهم جدا، وهو تحسين نظام التعليم الذي يمثل ضرورة لتحقيق التنمية طويلة الأجل، مشيرا إلى أنه من غير الممكن خلق فرص عمل دون إصلاح للتعليم في مصر، بما يكفل إعداد خريجين لسوق العمل الحديثة.
وأسمح لنفسى أن أقول إن هبوط مستوى التعليم هو بمثابة سرطان لمستقبل أبنائنا، ويجعلنا قلقين على أننا سنظل نتطور من الجهل إلى الجهالة، إلى أن تأخذ الدولة موقفا حازما لرفع مستوى التعليم، وبالذات مستوى المعلم، وهو بيت القصيد لتحقيق الهدف.
ونحن نعلم بأن الاهتمام بالتعليم وأيضا الاقتصاد معادلة لا تقبل الانفصال، أما الاعتراف بأن قرض الصندوق هو بمثابة شهادة ثقة دولية، فمنبع هذه الفكرة أن قرار الصندوق بالموافقة على إعطاء القرض لا يمكن اتخاذه إلا بعد إعطاء الثقة في أن نظام الدولة في إدارته للقرض وطرق الاستفادة منه قادر على تحقيق الهدف كضمانة لصالح مصر عند منح قرض الصندوق، وسيكون له أثر إيجابى مع بقية التعاملات الدولية معنا.
وكانت رسالة واضحة من جانب الصندوق لطمأنة الرأى العام المصرى بقولها: إننا لا نفرض شروطا لإقراض الدول، ونلتزم بالشفافية، وإن اللجنة التنفيذية للصندوق الدولى سوف تدرس طلب مصر خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وإن كل دولة تحدد المسار الذي يناسبها.
وكان لافتا للنظر أن صندوق النقد الدولى قد حدد أرباحا معتدلة حول ٧٪، تقديرا منه لأهمية مستقبل الاقتصاد المصرى، وللعلم فإن وجود الصندوق حاليا يأتى لإعادة هيكلة الاقتصاد والذهاب لمعدلات نمو ٦٪.
وكانت كلمة محافظ البنك المركزى طارق عامر، تعليقا على اتفاقية الصندوق لها معنى، حينما يؤكد أنه لا يمكن أن ننمو من خلال المدخرات المحلية فقط، بل لا بد من الاستثمارات المباشرة من الخارج، ولن يحدث ذلك إلا من خلال إصلاح هيكلى للاقتصاد المصرى.
وأضاف طارق عامر أنه يطلب من المواطنين الثقة بالحكومة، وأن تكون وراءها لتصل بمصر إلى الموقع الذي تستحقه.
وعودة إلى ما قاله رئيس بعثة صندوق النقد عن الوضع الاقتصادى العام إن مصر بلد قوى، ولديه إمكانيات كبيرة، ومن خلال برنامج الإصلاح الاقتصادى ستتمكن من مواجهة التحديات والمشكلات التي تحتاج إلى علاج عاجل وسريع، لاستعادة استقرار الاقتصاد الكلى، وتحفيز معدلات النمو المستدامة، وزيادة فرص العمل، ورفع كفاءة أسواق المال، وتخفيض عجز الموازنة والدين العام، فضلا عن تعزيز شبكة الضمان الاجتماعى.
وقد يكون من المفيد في نهاية المقال أن نتكلم عن تاريخ العلاقات بين مصر وصندوق النقد:
* استهدفت مصر الحصول على قرض بقيمة ٣.٢٪ مليار دولار في عام ٢٠١١، ولكن فضلت مصر عدم اللجوء إلى الصندوق، وفى محاولات أخرى في عام ٢٠١٣ لم يقدر النجاح لهذه المحاولات.
لا ننسى أيضا أن مصر انضمت لعضوية الصندوق في ١٩٤٥.
وفى عهد الرئيس السادات ١٩٨٧ حصلت مصر على قرض قيمته ١٨٥.٧ مليون دولار، ولكن حصل ثورة غضب في الشارع المصرى.
في عهد الرئيس مبارك في ١٩٩١ حصلت مصر على ٤٣٤.٤ مليون دولار، ثم اكتفت مصر بعد ذلك بالمشاورات والمساعدات الفنية.
كل ذلك لنقول إن اتفاق الأيام الأخيرة بين مصر والصندوق بقرض ١٢ مليار دولار كان بشرى خير لمرحلة جديدة تحمل آمالا كبيرة.