نعيش أحوالا غير طبيعية، نتنفس القلق والتوتر، ويأكلنا الترقب، ونتساءل ما الذى تحمله الأيام، وهل النور لا يزال ينتظرنا فى نهاية النفق أم سنرتطم بقاع سحيق آخر ينهى ما تبقى لنا من قدرة وأمل.
تملكتنا تلك الحالة عقب انتهاء ٢٥ يناير، فقد كان من الواضح أننا نودع سنوات الاستقرار، وندخل عالما جديدا عنوانه الوحيد الفوضى وعدم الإحساس بالأمان، واستقر فى الوعى الجمعى أن الحكومة تكذب والإعلام يطبل ويجمل، وكل المسئولين فاسدون، وانهارت منظومة القيم الحاكمة للمجتمع، وتولت وسائل التواصل الاجتماعى المهمة، وأصبحت المصدر الوحيد للمعلومة، كما تصدت لتشكيل وعى أجيال جديدة من المصريين بمفاهيم تعادى الدولة وأجهزتها، وحولتهم إلى كائنات تعيش فى عالم سرمدى تغلفه النوايا الطيبة، ليستغلهم أهل الشر فى التجنيد للتنظيمات الإرهابية أو السيطرة الفكرية عليهم، تمهيدا لاستخدامه ضد الدولة فى المستقبل.
وللأسف الشديد لم تول الدولة قضية الإعلام وتشكيل الرأى العام الجهد الكافى، وانشغلت فى مهمة تثبيت دعائمها، وإنقاذ الاقتصاد والاستجابة للاحتياجات الأساسية للمجتمع الملحة مثل توفير الدعم والمسكن والخبز والكهرباء والبنية الأساسية للاستثمار وبذل التضحيات فى مكافحة الإرهاب، واستعادة السياحة، وبينما هى منشغلة بكل هذه المهام الثقيلة فتح أهل الشر الثغرة ما بين الإنجاز الكبير الذى تحقق وإحساس الشعب به، مستغلين تأثره بإعلام الحرب النفسية الذى استغل شعور المواطنين بالأزمة الاقتصادية، وارتفاع الأسعار، وتتسع الثغرة يوما بعد يوم، لتعيد إلينا ذكريات مؤلمة مشابهة لما حدث فى حرب أكتوبر، ودخل الإعلام الغربى على الخط، وتلاعب بنا، وتمكن عبر وسائل التواصل الاجتماعى أن يقود حرب التشكيك فى الدولة وأجهزتها، وفرض قواعده رغم اختلاف اللغة، فهو المعبر عن الخط السياسى لحكوماته، وناقل الرسائل لمن يدير مصر.. لو التزمت بالإملاءات الأجنبية أصبحت ديمقراطيا، ولو رفضت تحولت إلى قمعى ديكتاتورى تنتظره ثورة دائمة.
ورغم أننا من المفترض قد تعودنا على كذب الإعلام الغربى وماكينات شائعاته، وأوضحها شائعة الـ٧٠ مليارا التى نشرتها صحيفة «الجارديان» واتهمت الرئيس مبارك، ثم اكتشفنا أنها كذبة إخوانية هدفها إشعال الميادين بالراغبين فى الحصول على نصيبهم من تورته «الفساد»، إلا أن «لجانه» الإلكترونية فى مصر أصبحت لديها خبرة كبيرة فى تمرير ما تريده لإشعال النار ودق «الأسافين» بين الشعب والدولة، وآخرها اللغط حول صفقة الطائرات التى ألصقت بالرئاسة، من أجل قتل مصداقية مطالبة الرئيس السيسى للشعب بالتقشف، وتحمل مشقة الإصلاح الاقتصادى.
قديما قال جنرال أمريكى لهوارد راسل مراسل «التايمز» والحرب مستعرة بين بريطانيا والولايات المتحدة «إنك تستطيع فى هذه البلاد أن تصنع أكذوبة ضخمة إذا وجدت عددا من الأصدقاء يروجون لها، ويمكنك بهذه الأكذوبة أن تحطم أى رجل.. ولو جاء بالملائكة أنفسهم ليكذبوا القصة فإن أحدا لن يصدقهم»، مقولة الجنرال الأمريكى تقترب كثيرا مما يجرى ضد الرئيس السيسى، وفى المقابل لا توجد لدى الدولة آلة إعلامية يمكنها المقاومة، وما يشاع عن سيطرة الدولة على الإعلام ثبت أنه وهم، والحقيقة أن الإعلام الرسمى يسير بلا أجندة أو رؤية، فالصحف القومية يسيطر عليها فكر الموجودين فى المجلس الأعلى للصحافة، وليس الدولة كما يشاع، وماسبيرو لا يزال يعانى من آثار ضربة ٢٥ يناير، وكلاهما يكلف الدولة مليارات والنتيجة لا شىء.
مواجهة الثغرة تحتاج إلى تفكير مختلف وأجندة واضحة يعمل من خلالها الإعلام الحكومى، وتكون قائمة على الشفافية والوضوح والمصارحة مع الناس فى كل ما يهمهم.. إقناع الناس يرتبط بتقديم المعلومة الصحيحة، والرأى المنطقى الذى لا يتعارض مع العقل، بلغة هادئة ودون مبالغات.
لا غنى لأى دولة كبيرة أو صغيرة عن إعلامها الرسمى، وإعلامنا يحتاج إلى بناء قواعد جديدة للثقة بينه وبين الأجيال الجديدة، ولا مانع أن تستخدم فيها وسائل التواصل الحديثة، فعبر برنامج صغير يتم تحميله على التليفونات الذكية يمكنك مخاطبة الملايين بما يعرضه إعلام الدولة، لتمكينه من استعادة قوته وفاعليته وتعويض خسارتنا بسبب غيابه.