بدلاً من مزايدة بعض النواب على القيم الليبرالية والحقوقية بالدعوة للمصالحة مع جماعة الإخوان الإرهابية وتيارات الإسلام السياسى من خلال مشاريع قوانين العدالة الانتقالية التى تقدموا بها مؤخراً، كان عليهم التحرك نحو صياغة تشريعات تدعم المصالحة المجتمعية مع المصريين المسيحيين، وتضمن عدم التمييز ضدهم بسبب العقيدة.
كثيرون منا يصرون على أن يسلكوا مسلك النعامة ليغضوا أبصارهم عن مشكلات طائفية خلفيتها التسلفن الدينى والصلف العقائدى، متجاهلين مئات الحوادث التى يتعرض فيها المسيحيون لمستويات مختلفة من القهر والاضطهاد.
نعم نحن المصريين أقباط واحد صحيح لا يقبل القسمة على اثنين أحدهما مسلم والآخر مسيحى، لكن الإسلام السياسى الذى يلهثون للمصالحة معه، هو المجرم الذى يحاول تغيير تلك المعادلة، وقد نجح فى تشويهها على الأقل بشكل جزئى فى مناطق مختلفة استطاع اختراقها مستغلا الثغرات التى يتيحها الجهل والفقر بمعناه الثقافى والاجتماعى.
ما يجرى فى المنيا وبنى سويف شاهد على نجاح غزو الإسلام السياسى للثقافة المصرية؛ فالمسألة أبعد من المطالبة بتطبيق دولة القانون، ذلك أن التشبع بثقافة الكراهية ومشاعر الطافية دفع المسئول عن تنفيذ القانون والممثل لهيبة الدولة للتلاعب بالنصوص القانونية على نحو يخدم أحاديثه الطافية وإن كان لا ينتمى تنظيمياً لإحدى الجماعات الإرهابية.
صحيح أن دولة القانون تحركت فى واقعة حرق منازل مواطنين مسيحيين بقرية كوم اللوف بالمنيا، لكن دولة القانون أيضاً أفرجت عن خمسة عشر متهماً فى وقائع الاعتداء والحرق والشروع فى القتل بما يخالف القانون ما اضطر محامى المعتدى عليهم لتقديم شكوى فى التفتيش القضائى والنيابات ضد قرار الإفراج.
لكن الأمر كان أبعد من ذلك بكثير، فكما يروى الدكتور إيهاب رمزى خرج أهالى القرية المسلمين يحتفلون بالإفراج عن الجناة وكان من بين المحتفلين أشخاص ينتمون لجهاز الشرطة استخدموا السيارات الميرى فى مسيرة الاحتفال وكان ذلك بمثابة تشجيع للجناة ليعودوا لقذف منازل المسيحيين بالحجارة مرة أخرى، ما اضطر ٢٧ منهم للهروب إلى القاهرة خوفا من التنكيل بهم.
بالمناسبة لا تزال عائلة السيدة سعاد ثابت بقرية كرما أبوقرقاص تعيش مهجرة خارج منازلها لأن عددا كبيرا من المتهمين ما زالوا يعيشون فى القرية ولم تتحرك سلطات الأمن بضبطهم وإحضارهم للمثول أمام النيابة العامة.
وفى قرية صفط الخرصا بمركز الفشن ببنى سويف قامت قوات الأمن باحتجاز سبعة مواطنين مسيحيين من المعتدى عليهم كنوع من الترضية لعائلات المتهمين بالاعتداء على منازل المسيحيين، كما يؤكد إيهاب رمزى الذى تقدم بشكوى تؤكد عدم قانونية احتجاز المواطنين السبعة وهم على وجه التحديد «إسحاق فهيم جرجس، نادى يعقوب، منى نادى يعقوب، عادل يعقوب نادى يعقوب، عادل عزيز إبراهيم، عزت سمير إبراهيم، رزق رمزى».
جرائم الاعتداء والتهجير القصرى ستظل تتكرر طالما ظللنا متسامحين ومتصالحين مع تيار الإسلام السياسى وأفكاره السلفية ومع فتاوى متطرف مثل ياسر برهامى يحرم فيها تهنئة المسحيين ومصافحتهم فى أعيادهم الدينية.
ولا يمكننا الحديث عن مصر كدولة مدنية حديثة طالما ظل التمييز على أساس الدين عنواناً لمضمون معالجتنا للأحداث الطائفية.
حتى إننا خالفنا الدستور فى مادته ٥٣ التى تحظر التمييز عندما تخلينا عن صياغة مشروع قانون بناء دور العبادة الموحد وذهبنا إلى مشروع قانون يخص بناء وترخيص الكنائس.
وبغض النظر عما إذا كان هذا المشروع يستجيب لمطالب المصريين المسيحيين من عدمه، إلا أنه ينطوى على تمييز حقيقى، خاصة أننا بحاجة إلى تنظيم عملية بناء المساجد وفقاً لأسس ديموغرافية وبيئية.
ما نحتاجه بنية تشريعية متكاملة تدعم قيم المواطنة، وإجراءات تنفيذية صارمة تلاحق كل من يحاول التلاعب بالقانون لصالح مشاعره الطائفية، ومنوط بهذه الإجراءات كل الأجهزة التنفيذية وفى مقدمتها وزارتا الداخلية والعدل لمكافحة الغزو الثقافى والاجتماعى للإسلام السياسى الذى طال أعضاءها وموظفيها.