وكأن
الراحل «محمود درويش»، عندما رثى «إدوارد سعيد»، قائلًا: «اصرخ لتسمع نفسك.. واصرخ
لتعلم أنك ما زلت حيًا وحيًا، وأن الحياة على هذه الأرض ممكنة»، يتحدث عن هذا
الكوكب الأسطوري المسمى «فنلندا».
حدثنا
«علماء الفلك»، عن اكتشاف ضخم لدولة تقع في أقصى شمال الكرة الأرضية، سكانها 5
ملايين ويزيدون قليلًا، أي 5% فقط من عدد سكان مصر، ومساحتها 338 ألف كيلو متر
مربع، ما يقارب من ثلث مساحة «أم الدنيا»، تسطع فيها الشمس 6 أشهر، وتختفي مثلها،
ولا يعطل ذلك العمل والإنتاج.
يقال إن
تلك الدولة، تحتل المراكز الأولى في كل التصنيفات «التعليم، وحرية الصحافة،
والتنافسية، والتقدم الاجتماعي، والتنمية البشرية، ومستوى المعيشة، والسعادة،
والاستقرار، والصحة، والبيئة السياسية، الشفافية.. إلخ»، وهذا شيء لا يصدقه أي
عقل، فلا هي دولة عظمى مثل أمريكا، ولا تمتلك أذكى طفل في العالم مثل مصر، ولا
قنابل نووية، ولا تملك البترول، فقط تعرف معنى «الإنسانية».
الغريب
أن المواطن الفنلندي، يُسمح له بدخول كل دول العالم تقريبًا بدون تأشيرة، ويُعامل
معاملة الملوك والأمراء والرؤساء في الدول كافة، فمعدل دخل أي كائن حي عاقل في تلك
الأرض، لن يقل بأي حال من الأحوال عن 80 ألف جنيه سنويًا.
في
فنلندا أكثر من 5 آلاف صحيفة، ومئات القنوات الفضائيات والإذاعات، بمعدل صحيفة
واحدة لكل ألف فنلندي، ومن العجيب أن جميعها تربح وتبيع مئات الآلاف من النسخ،
فالصحافة مستقلة تمامًا حتى أن الصحفي يمكنه أن يذهب إلى أي مؤسسة في تلك الدولة،
ليطلب أي معلومات يريدها، فيطلع عليها فورًا !!.
قد يقشعر بدنك عندما تعلم، أن المدرسين هم الأعلى دخلا في هذه الدولة، بل تشترط الحكومة حصول المتقدمين لوظيفة التدريس على درجة الماجستير كـ«أقل مؤهل»، وتصل أحيانًا إلى «الدكتوراه»، وليس بها نظام التنسيق للجامعات أو واجبات منزلية، ويقضي الطالب في المدرسة ساعتين ونصف، بالإضافة إلى ساعة ونصف راحة، ليصل مدة اليوم الدراسي إلى 4 ساعات فقط.
هناك ليس
مهمًا بالنسبة للدولة أو المواطنين، هل أنت «مسلم، مسيحي، يهودي، أو حتى ملحد»،
عقيدتك شأنك أنت فقط، وبإمكان 20 مواطنًا، تأسيس طائفة دينية، بل تتكفل الدولة
ببناء دور عبادة لهم، وتكفل لهم كل الضمانات لممارسة طقوسهم، ويسمح للوالدين
باختيار دين طفلهم حتى يصل إلى 18 عامًا، وعندها يحق له اختيار أي ديانة للانضمام
إليها.
«المجتمع»
لا يعترف بـ«الشبكة أو المهر... إلخ»، ويحق لأي بالغ الزواج، طالما تعدى سن 18 عامًا،
ويسمح لمن تحت هذا السن، بالزواج أحيانًا، والطلاق أيضًا حق لأي مواطن مهما كانت
ديانته.
«كوكب
الإنسانية الفنلندي»، غير مهتم بالصراعات السياسية والعسكرية على هذه الأرض، لكنه
أحيانًا يتدخل كوسيط للتهدئة بين الدول المتنازعة، من باب نشر السلام والمحبة، بل
دائمًا ما تبدي استعدادها لاستضافة أي عدد من اللاجئين، حتى أن رئيس الوزراء «جوها
سيبيلا»، قرر التنازل عن منزله لأحد اللاجئين.
«إذا
كنت في فنلندا لا تخف»، هذا شعار التأمينات الاجتماعية، فيحق لأي إنسان على أرضها،
الحصول على ضمان مالي، إذا احتاج ذلك، وإعانات شهرية للأطفال والدارسين وكبار
السن، فكونك فقيرًا شعور مؤذ للغاية، وقد تحدث اضطرابات كبرى جراء ذلك.
و«لأن
الحلو دائمًا لا يكتمل»، ستجد المجتمع الفنلندي يكره أشياءً عادية للغاية، فمثلًا:
«التأخير عن المواعيد، والصوت العالي، أو دخول المنزل بالحذاء، وعدم النظر إلى وجه
من تحدثه، وزيارة أي صديق دون اتصال مُسبق، وعدم تقديم الشكر لمن يُساعدك في أي
شيء، أو الجلوس بجوار شخص في المواصلات العامة دون استئذان، والغش التجاري، والرشوة، والمحسوبية، وإلقاء
القاذورات في الشوارع أو قطع الزهور والأشجار»، كل تلك الأشياء تعد جرائم إنسانية
وأخلاقية لا تغتفر!!!.
ومما سبق
نستطيع وبكل سهولة التعرف على أسباب إقدام الفنلنديين على الانتحار، فلا يمكن لأي كائن
حي العيش في مثل هذه الأجواء.