14 أغسطس .. لا شك أن هذا التاريخ يمثل ذكرى مؤلمة في نفس كل مصري .. ذلك اليوم الذي وقع فيه ما كان يخشى الجميع أن يقع .. فكل الدم المصري حرام .. ويشهد الله على أن ما أكتبه هذا لوجهه تعالى وليغضب من يغضب.
كان المشهد في مصر يوحي أننا على شفا جرف هاري .. فحالة الانقسام الحاد بلغت مداها حتى أدرك الجميع أن الأمور لا يمكن أن تسير بدون حدوث شيء حاسم .. فأنصار الإخوان يتمسكون بالاعتصام في ميدان رابعة على أمل أن ذلك سيعيد مرسي للحكم حتى تحولت منطقة الاعتصام إلى مجتمع معزول .. وبطبيعة الحال عمت حالة من السيولة الأمنية والإدارية لم يكن من المقبول أن تستمر وفي ظني أن الإخوان أنفسهم كانوا يدركون ذلك تماما.
فهل يعقل أن يدوم الاعتصام لأكثر من 40 يوماً دون وجود أي رؤية سياسية متفق عليها أو جدول زمني للإخلاء والبحث عن وسيلة أخرى للتفاوض والشاهد أن جميع قيادات الاعتصام رفضت التجاوب لأي مبادرات لإخلاء الميدان سلمياً .. وأمام جميع وسائل الإعلام وجهت أجهزة الأمن عدة مناشدات وتحذيرات وإنذارات للمعتصمين تخبرهم أن استمرار الوضع على ما هو عليه ليس أمراً متصوراً.
وحين جاءت ساعة الصفر لإخلاء الميدان بالقوة فإنه وفقاً لكل المقاييس المنطقية فإن أجهزة الأمن تعاملت مع الحالة بالوسائل القانونية المشروعة بدليل أنها دعت مراسلي ومصوري جميع الصحف والمواقع الإليكترونية بل ووكالات الأنباء العالمية وبعض المنظمات الحقوقية لتكون شاهداً على شرعية فض الميدان بالتي هي أحسن وإلا هل يتصور أحد أن تضمر الأجهزة الأمنية إراقة دماء وتأتي هي بالشهود.
دليل آخر على أن أجهزة الأمن لم يكن لديها أية نية لإراقة دماء ما جرى في ميدان النهضة وكنت أحد شهود العيان آنذاك حيث بدأت عملية الفض بتوجيه إنذار شفوي عبر مكبرات الصوت للمعتصمين بضرورة الإخلاء فوراً حرصاً على حياتهم وسلامة من معهم .. أكثر من ذلك فقد حددت قوات الأمن ممراً آمناً لخروج المعتصمين سلمياً ورأيت بعيناي بعض الجنود والضباط يساعدون كبار السن والنساء على الانصراف دون حتى الاطلاع على هوياتهم.. وكانت النتيجة الطبيعية سقوط أقل من 20 قتيل خلال عملية الفض.
إذاً ما الذي جرى في رابعة حتى تسيل كل هذه الدماء .. حيث يؤكد كل شهود العيان أن سلوك أجهزة الأمن كان في رابعة العدوية هو ذاته الذي سلكته في النهضة حيث بدأ بتوجيه الانذارات عبر مكبرات الصوت ثم تحديد ممرات خروج آمنة للمعتصمين.
وفي البداية سارت الأمور في هدوء إلى أن بدأ إطلاق النيران صوب أجهزة الأمن وهذا بشهادة شهود عدل أثق في آرائهم، علماً بأنه لا أحد يعلم تمام العلم أن من أطلقوا هذه النيران هم من المعتصمين أنفسهم ولكنها جاءت من أعلى أسطح المنازل المحيطة بالميدان، لكن وبما أنها استهدفت رجال الأمن حيث سقط عدد من الضباط والمجندين ما بين قتلى ومصابين فإن التحليل المنطقي أنها من جانب المعتصمين.
وهنا انقلبت المعادلة رأساً على عقب حيث وجدت الأجهزة الأمنية نفسها في مواجهة لم يكن مخطط لها أن تسيل فيها دماء فأغلب الظن أنها كانت تخطط لخروج المعتصمين بمجرد سماعهم لطلقات تحذيرية مثلاً أو ربما يستلزم الأمر تدخل العصي والهراوات لإثنائهم عن استمرار الاعتصام .. لكن ومع صدور تعليمات عبر الميكروفونات من داخل المنصة بعدم مغادرة الميدان والحرص على الموت قبل الحياة .. كان ما كان وسقط مئات القتلى والمصابين في يوم لا يستطيع أحد إلا أن يصفه بأنه يوم أسود في تاريخ مصر.
فمن الغباء بمكان أن يعتقد أي شخص أو يروج أي مدع أن رجال الأمن كانوا سعداء وهم يصوبون أسلحتهم تجاه المعتصمين أو أن الأمر كان أشبه بهواية "صيد البط" مثلاً .. فلا أحد ينكر أن غزارة هذه الدماء التي سالت لم تكن مصدر سعادة أو افتخار لكائن من كان والمنطق يقول أن النجاح كان في فض الاعتصامين دون إراقة نقطة دماء واحدة .. لكن هذا بطبيعة الحال لم ولن يرضي من خطط ودبر لنزف الدماء.
وبعد مرور 3 أعوام على ذكرى فض رابعة فإننا يجب أن نبحث عن علاج لإذابة هذه "الجلطة" التي تسببت طوال الأشهر الماضية في انسداد كافة قنوات الأفق السياسي .. وأحلم بأن يأتي اليوم الذي تفيق فيه جماعة الإخوان، التي عرفت كثيراً من المنتمين إليها وكانوا في منزلة الإخوة، تفيق من غفلتها وانخداعها في أن قطر وتركيا أحن عليهم من وطنهم مصر وأن الدولتين، لا قدر الله، ترفعان شعار أرض الإسلام .. فهما أبعد ما تكونان عنه ولا تريدان لمصر إلا ناراً كلما أوقدوها أطفأها الله..
وبإذن الله تعود مصر وطناً لكل أبنائها حتى أولئك المنخدعين حالياً في نوايا قطر وتركيا الذين لا يمكن بأية حال اعتبارهما وطناً بديلاً أو اتخاذهما وكراً لكيد المؤامرات ضد مصر وتمني الخراب لها ما عاذ الله.
آراء حرة
لوجه الله.. شاهد عيان على فض "رابعة والنهضة"
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق