كدت أواصل الكتابة عن المسرحية التالية بعد «سعدون»، فاتصل بى صديق عزيز، رغم فارق السن الكبير بينى وبينه، وقال لى إننى لم أشرح للناس حوادث المسرحية، وقد قرأها فى الكتاب كأغلب كتبى، وأصر علىّ أن أكتب للناس ما لم أكتب عنه، خصوصا أن المسرحية لم تصور للتليفزيون للأسف. ولأن للقارئ هذا الحق. فبدأت أكتب حوادث المسرحية التى يحفظها سعدون ولا يحفظ غيرها!
تبدأ المسرحية بسعدون عضو الشبيبة الذى لم يكن يتوقع هزيمة ٦٧، فظل يتعامل معها كأن المعركة دائرة ولن تتوقف الآن.
وكان سعدون يحب جارته ومتحمسا للناصرية، ولم يكن يشك إطلاقا أننا سننتصر فى أى معركة نخوضها ضد إسرائيل، فلما بدأت المعركة صعد على منصة تمثال مختار، وراح يخطب فى الناس كأننا نحن الذين انتصرنا!!
وبالطبع كان مصيره أن يذهبوا به إلى مستشفى الأمراض العقلية، لأنه لم يدرك ما حدث حتى اللحظة.
وبعد سنوات طويلة جاء طبيب فى المستشفى ليرى حالته. فسأله عن اليوم والشهر والسنة، فكانت ردوده كلها مضبوطة، حتى سأله أحدهم عن الرئيس الحالى فقال على الفور: «الزعيم جمال عبدالناصر طبعا».
لكن الطبيب أصر أنه يمكن أن يخرج ما دام لا يقدر على الكفاح فى هذه السن الكبيرة.
خلال هذه الأيام كانت حبيبته قد تزوجت من رجل غيره وعاشت فى نفس البيت مع بقية الأسرة. لكن كان عليهم أن يتأقلموا معه، فراحوا يذيعون له الأناشيد الحماسية القديمة التى يعشقها ويحفظها. وبدأ يجند ابن حبيبته، ليشارك فى المعركة القادمة من وجهة نظره. وراح الكل يسايره فى كل ما يقوله.
ثم يخرج إلى الشارع لأول مرة فيجده قد تغير والناس على المقاهى يختلفون فى آرائهم بين معارض وغيره، بينما هو يصحح لهم المفاهيم ويكرر عليهم ما قد حفظه من قبل.
ويصل به الأمر أن يذهب لأمن الدولة ويشرح لهم أن هناك خونة يبيعون الوطن. وهرعت أمه لتشرح للأمن حالته المرضية.
وظل الأهل يقولون له إنه قريبا سيزف لحبيبته، بينما هى وزوجها لا يعرفان ماذا يفعلان فى هذا الأمر. خصوصا أن وليدهم الغض تأثر بما يقوله سعدون وراح يمشى على خطاه.
ويرى سعدون حبيبته القديمة، فيظن أنها أمها لا حبيبته، ويخفى الجميع عنه أنها تزوجت قريبه.
ثم تأتى لحظة يقرر الأخ الأكبر أن يحكى له حقيقة ما حدث بالفعل، فيسمع سعدون ما يقوله وهو غير مصدق أن الزعيم قد توفى مبكرا وجاء بعده السادات الذى فاجأهم بالحرب. وبعدها ذهب إلى العدو بنفسه وأبرم معهم معاهدة سلام، ولكن بعض الناصريين لم يعجبهم هذا، رغم أنهم لم يكن عندهم غير هذا، فعملوا ضده، وقبض السادات عليهم لفترة قليلة، ثم تركهم، لكنه كان قد أعطى المجال للإخوان ضدهم، لكنهم اغتالوه هو وجاء بعده حسنى مبارك قائد المعركة وسار على الخط نفسه.
يبدأ سعدون تدريجيا يسمع من الكل، ومما يراه وما حدث للبلد ولبقية الأسرة فيرتبك. أما زينهم فيرى ابنه وهو ناقم يهدد الكل على طريقة سعدون، ثم يختلى سعدون بوفاء ويهمس لها قائلا إن «عبدالناصر ما ماتش، لكنه عمل إنه مات واستخبى، وسيظهر قريبا جدا ليقود الأمة العربية كلها ضد الأعداء»، فتبكى وفاء وتجرى منه. بينما هيثم الصغير يصفق له بحرارة. فيسأله سعدون «إنت مصدقنى يا هيثم؟».
فيرد: «أنا بحبك قوى.. قوى يا عمو سعدون».
فيحتضنه: «يا حبيبى»، فيكون الرد: «بس إنت مجنون».
سعدون ينظر إليه بدهشة.
(بينما تتسمر العصا التى رفعها هجرس فى يده).