** قال «حنفى» إنه يقوم يوميا بتقديم الخبز إلى ما يقرب من 83 مليون مواطن، نصيب المواطن يصل إلى خمسة أرغفة، أي أن الحكومة تدفع يوميا ما يقرب من 400 مليون رغيف
** من بين المشروعات المهمة التي نفذتها الحكومة، يأتى مشروع النقاط، وأقول إنه مشروع مهم، لأن الناس شعرت بفائدته وقيمته
** وزير التموين أرسل إلى النائب العام ومباحث التموين، ليطالبهما بإلغاء مخالفات المخابز والتي تتمثل بشكل أساسى في اختراق منظومة النقاط، وقد ضبطت هيئة الرقابة الإدارية فسادا بقيمة 290 مليون جنيه
** اقترح الوزير أن تكون هناك منظومة واحدة للتعامل مع القمح، فلا يكون هناك سعر للقمح البلدى وآخر للمستورد، لكن يبدو أن النواب أجهضوا هذه الفكرة ربما لأنها كانت تعنى الإبقاء على القمح المستورد وحده
منذ عرفت أن الكلمة هي سلاح الضعفاء والفقراء والمسلوبين، وأنا أعتبر الصمت خيانة وعارا، فإذا لم نتحدث نحن، فمن يتحدث؟ وإذا لم نقف في مواجهة الفساد وأهله، فمن يقف؟ وإذا لم نكن لشعبنا الطيب مرشدا ودليلا، فمن يتقدم إلى بداية الصفوف؟
عشت سنوات طوال من حياتى كاتبا وباحثا، أعتصم بمكتبى، وأقضى بين كتبى وأوراقى ساعات طوال، كنت أطل على أوجاع الناس بعيون الآخرين، لكن عندما وفقنى الله وأصبحت نائبا للشعب، عرفت أن ما كنت أراه بعيون غيرى ليس إلا غيضا من فيض، نزلت إلى الناس، قابلتهم، جلست إليهم، سرت معهم، وكانت المفاجأة أن هذا الشعب يتوجع كما لم يتوجع أحد، وأدركت وقتها كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسى أن هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه، فلا أقل من أن نكون صوته، عندما يخطط الفاسدون ليكتموا هذا الصوت ويعتقلوه في صدور أصحابه.
لقد بدأت الاشتباك مع ملف فساد القمح منذ اللحظة الأولى، وها أنا أواصل ما بدأت، وتحت يدى مستندات تفضح كم العفن الذي نعيش فيه، أعتقد البعض أننى أستهدف حكومة شريف إسماعيل، أو أسعى إلى تصفية وزير التموين خالد حنفى بعد أن قرأوا فاتحته، ودون تردد أقول إن هذا ليس صحيحا على الإطلاق، فأنا لا استهدف أشخاصا بقدر ما أحارب سياسات أوردتنا ولا تزال موارد التهلكة.
لا حديث للناس على المقاهى وفى البيوت وفى المكاتب الحكومية إلا عن القضية الأهم الآن، وهى قضية فساد القمح، إنه السلعة الإستراتيجية الأهم، يشعرون أنها سرقت منهم، لكن دون أن يعرفوا ماذا حدث.
هنا محاولة أولى تتبعها محاولات أخرى لمعرفة ما الذي جرى في الكواليس والغرف المغلقة، فنحن أمام مافيا تورط فيها مسئولون وسياسيون وتجار، وكان الهدف منها أن تمتلأ خزائنهم بالمليارات، حتى لو ذهب هذا الشعب إلى الجحيم، واسمحوا لى أن أقف بكم في محطات محددة وواضحة:
** ملف الحيازات والزراعات الوهمية
يعرف أهلنا الطيبون من الفلاحين أن هناك ما يسمى الحيازة الزراعية، لديك فدان أرض معك به حيازة، وبمقتضى هذه الحيازة تذهب إلى الجمعية الزراعية لتحصل على نصيبك من الأسمدة، ومعروف أن الأسمدة التي تصرفها لفدان مزروع برسيم، غير الأسمدة التي تصرفها لفدان قمح.
لجأ الفلاحون إلى تغيير الحيازات من فدادين البرسيم إلى القمح، وحصلوا على الأسمدة الزائدة، وكانت الاستفادة مشتركة بين الفلاح وموظف الجمعية الزراعية، لكن حدث ما هو أكثر، فهناك ما يعرف بـ«الملاءة المالية»، يجد مالك الأرض الذي يسعى إلى التقديم لابنه في كلية معينة مطالبا بأن يثبت أنه يملك حيازة أرض بعدد معين من الأفدنة، لا يملكها على الأرض، لكن موظف الجمعية الزراعية يحرر له المستند الذي يثبت ذلك.
النتيجة أن أعداد الفدادين المملوكة على الورق، تكون غير تلك المملوكة على الأرض فعليا، والفارق بينهما كبير جدا.
** ما علاقة ما نقوله هنا بالقمح وفساده وما جرى فيه؟
في عام ٢٠١٤ كان لدينا ٣.٢ مليون فدان مزروعة قمحا، وهو رقم على الورق لم يكن صحيحا على الإطلاق، ارتفع هذا الرقم في العام الماضى ٢٠١٥ إلى ٥.٢ مليون فدان، أي أن الفارق بين العامين هو ٢ مليون فدان، وهو رقم غير حقيقى أيضا.
كان الفلاح يتعامل بنفسه مع الحكومة، ينزل مندوب الحكومة، وهو عبارة عن لجنة رباعية مكونة من عدد من الموظفين لاستلام القمح، تحصل على المحصول وتسدد ثمنه، وتتولى هي تخزينه وطحنه بمعرفتها.
ظللنا على هذه الحال، حتى أخرجت الحكومة الفلاح من المعادلة، وأصبحت تتعامل مع التجار الذين تحولوا إلى وسيط، بدءوا في شراء الحيازات الوهمية التي لا تترجم العدد الحقيقى للأفدنة المزروعة قمحا، يسلم التاجر أوراقا مسجل بها عدد أفدنة غير موجودة إلا على الورق، ويحصل على المقابل كاملا.
طن القمح المصرى تبلغ قيمته ٢٨٠٠ جنيه، بينما يصل سعر طن القمح المستورد إلى ١٨٠٠ جنيه، الفرق الذي يصل إلى ١٠٠٠ جنيه كان يدخل جيب التاجر، وعليه إذا اشترى تاجر مثلا ١٠٠ ألف طن مستورد ووردها إلى الدولة على أنها قمحمحلى، فإنه يكون بذلك قد ربح في عملية واحدة ما يقرب من ١٠٠ مليون جنيه، وهذا مثال بسيط بالطبع، فالأرقام على الأرض مهولة وضخمة جدا تصل إلى المليارات.
وإذا أردتم مثالا واضحا على ذلك، فيمكن أن ندلل بما جرى في أعمال لجنة تقصى الحقائق التي شكلها البرلمان، ولم تفحص إلا عشر صوامع فقط، من بينها صومعة قمح يملكها عبدالغفار السلامونى وهو رئيس غرفة المطاحن بغرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات، وجدت اللجنة فيها ١٧٣ ألف طن فقط، رغم أن سعتها تصل إلى ٣٥٠ ألف طن، بما يعنى أن هناك ما يقرب من ١٧٧ ألف طن هالك، تصل قيمتها فعليا إلى ٥٦ مليون جنيه.
** فساد القمح في منظومة النقاط
من بين المشروعات المهمة التي نفذتها الحكومة، يأتى مشروع النقاط، وأقول إنه مشروع مهم، لأن الناس شعرت بفائدته وقيمته، لكن ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل، فقد أطل علينا الشيطان برأسه، ليؤكد لنا أن مافيا الفساد تستطيع أن تخترق أكثر المشروعات نبلا وقيمة.
ما الذي يحدث في هذا المشروع حتى نفهم كيف أسهم في إفساد منظومة القمح في مصر؟
قال وزير التموين خالد حنفى إنه يقوم يوميا بتقديم الخبز إلى ما يقرب من ٨٣ مليون مواطن، نصيب المواطن طبقا للمنظومة يصل إلى خمسة أرغفة، أي أن الحكومة تدفع يوميا ما يقرب من ٤٠٠ مليون رغيف.
يتكلف الرغيف ما يقرب من ١٠٠ جرام من القمح، ولأن الوزير يعرف أن هناك من لا يستهلك الأرغفة الخمسة، فقد وضع نظام النقاط كبديل، من لا يحصل على الخبز يمكن أن يستبدله بسلع تموينية موجودة الآن بالمخابز، والجميع يعرف ذلك، لأنهم جربوه، وحصلوا على السلع التموينية.
عدد النقاط يصل فعليا إلى ٥٠٠ مليون نقطة، تتكلف النقطة نحو ١٠ قروش، فإذا عرفنا أن الرغيف يكلف ميزانية الدولة ٣٤ قرشا، فبحسبة بسيطة نعرف أن الوزارة قامت بتوفير في ميزانية دعم الخبز يصل إلى ما يقرب من مليار جنيه في الشهر، أي أن لدينا ١٢ مليار جنيه كل سنة، والسؤال: لماذا يزيد دعم الخبز كل عام إذا كان لدينا هذا الرقم الكبير.
حقيقة الأمر أن الـ ٨٣ مليونا لا يستفيدون جميعهم من منظومة الخبز، فبحسبة بسيطة نستبعد فيها الأطفال والمسافرين إلى الخارج والفئة التي لا تستهلك هذا النوع من الخبز لأسباب اقتصادية، فإن المستفيدين يمكن أن يصل عددهم إلى ٥٠ مليونا فقط.
لدينا إذن ما يقرب من ٣٣ مليون مواطن لا يحصلون على الخبز، ولا يستفيدون بنظام النقاط، فأين تذهب تلك الأموال المرصودة لهم، هل تعود مرة أخرى إلى الحكومة «الإجابة لا، ولكنها تدخل جيوب التجار».
هنا يمكن أن نتحدث قليلا عن الكارت الذكى، الذي يحصل من خلاله المواطن على السلع، قد ينسى المواطن هذا الكارت فيقوم صاحب المخبز باستخدام كارت ذكى لديه، ليصرف له حقه، وعندما لا يذهب المواطن ليحصل على مستحقاته يستخدم صاحب المخبز الكارت من تلقاء نفسه ويحصل على حق المواطن لنفسه، وهنا تشكلت مافيا تحصل على ملايين من خلال شراء الكروت الذكية، التي تذهب بأوراقها إلى البنوك لتحصل على ملايين، المفروض أن تعود إلى الدولة مرة أخرى.
مسئولية الحكومة عن الفساد
هنا أجدنى أتوقف قليلا أمام نقطة مهمة، فالمفروض أن الحكومة تشكل لجنة رباعية لاستلام القمح وتسليم ثمنه للفلاحين في وقت سابق وللتجار حاليا، هذه اللجنة مكونة من مندوب من الرقابة على الصادرات والوارادت وأمين المخازن ومندوب من وزارة التموين، ومندوب من وزارة الزراعة، وهناك ثلاثة مسئولين كبار في وزارة التموين يتولون عمليات التسليم والتسلم من التجار.
هؤلاء الثلاثة معروفون للجميع، ونعرف أسماءهم، وما هو معروف ومثبت أكثر أن هناك إهدارا لنصف مليار جنيه في صومعة واحدة، وهناك ٦ مليارات ضائعة على الدولة العام الماضى، والسؤال: لماذا الإبقاء على هؤلاء المسئولين الثلاثة؟ لماذا يظل كل منهم في مكانه حتى الآن؟
هل يمكن أن يجيبنا أحد عن هذا السؤال؟ أم أن الأسئلة ستظل كثيرا بلا أجوبة في هذا الملف الساخن الذي يرتبط بقوت المصريين البسطاء؟
** لغز خطاب رئيس الغرفة إلى وزير التموين
من بين الألغاز الكثيرة في قضية فساد القمح ما فعله رئيس غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات. أرسل رئيس الغرفة خطابا إلى وزير التموين خالد حنفى طالبه فيه بأن يخاطب النائب العام ومباحث التموين، من أجل إلغاء مخالفات المخابز، والتوقف عن ملاحقات أصحابها.
المفاجأة أن وزير التموين خاطب النائب العام بالفعل وأرسل إلى النائب العام ومباحث التموين، ليطالبهما بإلغاء مخالفات المخابز والتي تتمثل بشكل أساسى في اختراق منظومة النقاط، وقد ضبطت هيئة الرقابة الإدارية فسادا بقيمة ٢٩٠ مليون جنيه في هذه المنظومة، إلا أن الوزير استجاب لطلب رئيس الغرفة.
والسؤال الذي لا بد أن يراودك على الفور، هو: ما لغز رئيس غرفة صناعة الحبوب، وما القوة التي يمتلكها ليطلب من الوزير هذا الطلب؟ ثم ما الذي يخفيه الوزير ولا نعرفه يجعله مرغما على الاستجابة السريعة بهذه الطريقة؟
أعتقد أن هذه أسئلة تحتاج إلى إجابات واضحة وصريحة، وأعتقد أن الوزير الذي تحيط به الأزمات من كل جانب مطالب بأن يتحدث.
ولغز رئيس الغرف التجارية أيضا يحتاج إلى حل، ولأن الألغاز حول وزير التموين كثيرة، فهناك لغز آخر يتعلق برئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، وقد وصفته تقارير صحفية سابقة بأنه إمبراطور التصدير الذي يتحكم في الوزراء.
يتردد أن هناك علاقة قوية بينه وبين خالد حنفى، مصدر هذه العلاقة كما يتردد أن حنفى كان يعمل مستشارا له، فهل هذه المعلومة صحيحة، وإذا كانت كذلك فما علاقتها بوضعية الرجل الذي يسيطر بشكل كامل على التجارة الغذائية الخارجية بشكل عام في مصر خاصة السكر. هنا لا بد أن يتحدث خالد حنفى الذي يجب أن يعرف أنه في أزمة، والأزمة هذه المرة لن ينقذه منها صمته، أو تعامله مع ما يحدث من حوله على أنه لا شىء، إننا لا نهول الأزمة، ولكن على الوزير ألا يهون منها هو الآخر، لأن الأمر خطير بالفعل.
** سر الـ60 نائبًا في أزمة القمح
قبل أن أطوى هذا الملف أتوقف قليلا حول ما نشره الكاتب الذي ينتحل اسم نيوتن في «المصرى اليوم»، ففى مقال له بتاريخ ١٠ أغسطس ٢٠١٦ تحت عنوان «تغيير المنظومة»، أشار إلى أن ٦٠ نائبا قاوموا مشروع خالد حنفى الذي وافقت عليه الحكومة، اعترضوا عليه بشدة، وأجهضوا تطبيق منظومة جديدة لمشكلة القمح، تمسكوا بالمنظومة القديمة، التي هي سر الفساد كله.
بدأ نيوتن في تفصيل ما حدث، فقال: نفترض أنه ليست للنواب مصالح، ليس لهم ضلع في ذلك، وليس لأى منهم أي علاقات بمافيا القمح، لكن نريد أن نعرف لماذا عرقلوا المشروع المتطور؟ من هم الـ٦٠ نائبا؟ نريد أن نعرفهم، أن نعلنهم على الرأى العام، نريد قائمة الأسماء، فليخرجوا لناخبيهم ويوضحوا الحقائق؟
لم يوضح نيوتن المنظومة القديمة التي اقترحها خالد حنفى ووافقت عليها الحكومة، ولم يتحدث عما فعله الـ٦٠ نائبا، لكن من سياق كلامه يتضح الآتى:
أولا: اقترح خالد حنفى أن تكون هناك منظومة واحدة للتعامل مع القمح، فلا يكون هناك سعر للقمح البلدى وآخر للمستورد، لكن يبدو أن النواب أجهضوا هذه الفكرة ربما لأنها كانت تعنى الإبقاء على القمح المستورد وحده الذي هو أفضل سعرا وجودة، فلا داعى لزراعة القمح في مصر لأنه يتكلف كثيرا، ويضيف أعباء على كاهل الدولة.
ثانيا: قد يكون ما فعله النواب جيدا وقد لا يكون بالطبع، لكن السؤال المهم هنا، لماذا تصرف النواب بعيدا عن مجلس النواب، بيت الأمة، لماذا تعاملوا مع شريف إسماعيل مباشرة، دون علم الدكتور على عبدالعال، وهل فعلوا ذلك لوجه الوطن، أم من أجل مصالحهم.
ثالثا: إننا أمام جبهتين الآن، الأولى فيها خالد حنفى الذي يبدو أنه لا يريد زراعة القمح في مصر حتى لا تكون هناك ثغرات في منظومة بيعه وشرائه، والثانية ٦٠ نائبا يريدون الإبقاء على المنظومة القديمة دون أن نعرف دوافعهم الحقيقية، وهو ما يجعلنى أتوجه إلى رئيس البرلمان لمخاطبة الحكومة لمعرفة أسماء هؤلاء النواب، وماذا جرى بينهم وبين الحكومة، لا بد من مناقشة هؤلاء النواب، على الأقل لنعرف ماذا يدور من حولنا في الخفاء، وهو حق للمواطن البسيط لأن الأمر يتعلق بقوت يومه الذي لا يمكن أن يستغنى عنه.
بقى شىء واحد وهو ضرورة الإسراع بحل هذه الأزمة، فما حدث خلال الأيام الماضية يثير الريبة من وجوه كثيرة، لقد قرأ كثيرون قرار تأجيل جلسات البرلمان ليوم الأحد بعد القادم ٢١ أغسطس، بأنه هروب للأمام من المشكلة، وفرصة للحكومة لحل الأزمة بشكل ما، بعيدا عن مواجهة النواب عبر استجوابات عديدة مقدمة في هذا الشأن. سؤال الشارع الآن الذي يجب ألا تهرب منه الحكومة هو: أين الحقيقة؟ وأعتقد أن دورنا هنا وفى البرلمان أن نبحث عن إجابة مقنعة عن هذا السؤال.
الجزء الأول: عبدالرحيم علي يكتب: فساد القمح يهدد بتفجير حكومة شريف إسماعيل من الداخل