أهم ما حدث فى دراما التليفزيون المصرى فى السنوات الأخيرة هو ظهور الذين يمكن أن نقول إنهم المخرجون الجدد، فقد توقف معظم مخرجى الأجيال السابقة عن العطاء، إما برحيل بعض الرواد مثل نور الدمرداش وإبراهيم الصحن وفخر الدين صلاح، وإما بتعنت وصعوبة الظروف فى التليفزيون المصرى كمؤسسة إنتاج تجاه بعض المبدعين من المخرجين، الذين يمكن أن يضيفوا ويستكملوا رسالتهم التنويرية فلم تعد تتح لهم فرص مواصلة ذلك، وفى مقدمتهم إنعام محمد على، وإما بعدم مقدرة بعض المخرجين على مواكبة العصر والتجديد فى إخراج الدراما التليفزيونية، على النحو الذى عرفته حديثًا بل وشاهده جمهورنا فى مصر فى دراما أجنبية مثل التركية، والعربية، وفى المقدمة السورية.. فكنا نشاهد إبداعات فى تتابع مشاهد السيناريو، واستخدامًا للكاميرا وتكوينًا «للكادر» وحركة للممثل، وقطعات مونتاج وتقسيمًا للشاشة، وشريطًا للصوت.. إلى آخره، كأتقن وأجمل ما يمكن أن نراه على شاشة السينما الكبيرة، ولكن هذه المرة على شاشة دراما التليفزيون، وانتهت تمامًا من التليفزيون الطرائق القديمة فى الإخراج التليفزيونى أو «الفيديو» التقليدى..
وهكذا رأينا مثلًا نجم الإخراج التليفزيونى فى إحدى المراحل المخرج الرائع محمد فاضل، (صاحب الأعمال الفذة مثل «القاهرة والناس»، و«.. وقال البحر»، و«أبو ذر الغفارى»، والأعمال المميزة مثل الكوميديا الاجتماعية «الفنان والهندسة»..إلخ)، حاليًا لا يستطيع أن يواكب الجديد ويقدم إخراجًا فاترًا فى مسلسل عن أحد أعلام مصر (هدى شعراوى)، وما تمثله من قيمة خاصة ودور بارز، كتبه باقتدار المؤلف الرائد يسرى الجندى، وفى مسلسل آخر عن رائعة الروائى سعد مكاوى «السائرون نيامًا»، الرواية التى تعد من عيون الأدب المصرى فى القرن العشرين، وهو مسلسل رغم المشكلات التى صاحبته فى اختيار البطلة وكل ما أثير حوله من ضجة، مر فى النهاية مرور الكرام، لم ينتبه له أو ينوه به أحد!!.. ولم تكن القضية فى المسلسلين إصرار المخرج على بطلة معينة، وهى الممثلة المتميزة الممتازة بحق فردوس عبد الحميد، مع عدم ملاءمتها بحق أيضًا لأداء بعض الشخصيات، مثل شخصية هدى شعراوى بطبيعة الحال!.. وإنما القضية الأساس تراجع طابع الإخراج عند المخرج، وتعذر أن يكون جزءًا من العصر الجديد.. ونفس الأمر يمكن أن يقال مثلًا عن إسماعيل عبد الحافظ، وهو بدوره نجم نجوم الإخراج فى مرحلة ما، والذى قدم أحد أهم المسلسلات فى تاريخنا إن لم يكن أهمها (ليالى الحلمية)، فنجده فى آخر مسلسلاته وهو من جزأين (المصراوية)، ولنفس المؤلف الشامخ الخالد أسامة أنور عكاشة، رحمهما الله سبحانه، يدير الممثلين ويحرك الكاميرا ويقترب بها من الوجوه.. إلى آخر العناصر، على النحو الذى كانت قد تجاوزته السنون فى دراما التليفزيون، ومن ثم مر مسلسله الأخير بدوره مرور الكرام ولم يشعر به أحد..
وهكذا كنا نشاهد إبداعات فى دراما التليفزيون السورية، لمواهب بارعة من المخرجين، تنقلنا إلى عوالم وآفاق جديدة وبمتعة بصرية وسمعية فائقة حداثية، مثل حاتم على فى تحفة (التغريبة الفلسطينية) ومسلسلاته التاريخية، بل وأيضًا الاجتماعية بنفس القدر، وشوقى الماجرى فى رائعته «أبناء الرشيد: الأمين والمأمون»، وعمله الكبير «الاجتياح»، وأعماله الأخرى.. وغيرهما من مخرجين، وكنا نشاهد المسلسل التركى العظيم «على مر الزمان».. إلى آخره، بينما كانت دراما التليفزيون فى مصر قد وصلت إلى منحدر كبير، وتكلس هائل وبرودة فى الأوصال والروح.. لم تعد تطاق ولا تجذب جمهورًا ولا تجد التفاتًا من نقاد، هى مرحلة احتضار هذه الدراما بكل معنى الكلمة... إلى أن تولد من جديد فى هيئة وروح مرحلة أخرى. أى حتى ظهر هؤلاء المخرجون الجدد، وطزاجة إخراجهم، وإطلالتهم الخاصة المبدعة و«روحهم السينمائية» جماليًا وتكنيكًا.. ومن هؤلاء محمد على فى (أهل كايرو)، وخالد مرعى كما فى مسلسلاته من تأليف «محمد أمين راضى مثل «العهد»، كما نصل إلى ذروة جديدة فى ٢٠١٦، بالإنجاز الإبداعى الإخراجى لمحمد ياسين فى مسلسله البليغ «أفراح القبة»، ولمحمد شاكر خضير فى مسلسله الجذاب الخلاب «جراند أوتيل».. نذكر أيضًا كاملة أبو ذكرى (ذات/ سجن النسا)، وتامر محسن (بدون ذكر أسماء/ تحت السيطرة)، وأحمد خالد موسى (بعد البداية/ الميزان).. وغيرهم، ممن بدأوا ينقلون دراما التليفزيون فى مصر، إلى الحساسية الجديدة والروح المختلفة وإلى العصر.. وهم أعلام جدد لدراما جديدة، يواكبهم جدد أيضًا بروح جديدة من كتاب ومصورين ومصممى ديكور وممثلين إلى آخر ما فى هذه العملية الإبداعية من فنانين وفنيين.. وبالتأكيد فإن ظاهرة المخرجين الجدد ونماذج أعمالهم وآفاق إبداعهم تستلزم وقفات وإطلالات مستقلة ومتمهلة.