يبدو أن رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل قد وجد فى الدكتور عاطف صدقى رحمه الله رئيس وزراء مصر الأسبق النموذج الذى يحتذيه فى منهج التعامل مع الرأى العام المصرى. الذين عاصروا تلك الفترة يتذكرون جيداً أن الدكتور صدقى كان قليل الكلام ولا تصدر عنه تصريحات صحفية إلا فيما ندر؛ حتى سمى فى بعض الصحف بـ«أبو الهول» إشارة إلى صمته الدائم، وعدم إدلائه بأحاديث توضح للرأى العام مسار سياساته السياسية والاجتماعية. وبسبب ذلك الصمت لم يجد الدكتور صدقى من يدافع عنه إلا فى الأطر التقليدية فى الصحافة القومية، ومع ذلك خرجت اليوم أصوات تشيد بالرجل رغم مرور أكثر من ربع قرن ووجدنا من يمدح الأسلوب الذى اتبعه لإعادة هيكلة الاقتصاد المصرى والتعامل مع صندوق النقد الدولى ليكون صاحب الفضل الأول فى وضع بذرة الإصلاح التى أثمرت معدل نمو وصل إلى ٨٪ فى عهد رئيس الوزراء الأسبق الدكتور أحمد نظيف.
المؤكد أن الحكومة تبذل جهداً فى المشروعات القومية الجارية وهى شريك أصيل مع القوات المسلحة فى معظم ما أنجز، وهذا ما يؤكده الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أحاديثه، ومع ذلك فإن تطمينات الرئيس ليست كافية بالنسبة للرأى العام فالجهد الذى تبذله الحكومة فى حاجة إلى مذكرة تفسيرية تحمل معلومات تفصيلية لما تقوم به. ولا ينبغى أن تصدر مثل هذه المذكرة عن شخص الرئيس، فتلك هى مهمة رئيس الوزراء الذى من بين أدواره الأساسية التواصل الجيد مع الرأى العام من خلال مخاطبته بشكل مباشر. وعلى المهندس شريف إسماعيل إدراك أن المصريين فى ٢٠١٦ ليسوا كما كانوا فى مطلع تسعينيات القرن الماضى، صمت رئيس الوزراء لا يمكن فهمه إلا فى أحد سياقين الأول أنه لا يتمتع بملكة التواصل مع الجمهور ويفتقد الحس السياسى وأنه يدرك هذا الضعف فى أدائه لذلك يخشى أن يخرج على الناس بخطاب يزيد الفجوة بينه وبينهم؛ والثانى أن صمته تعبير عن نوع من التعالى على الرأى العام كون الأخير يعجز عن فهم لغة معالى دولة الرئيس.
كلا السياقين مرفوضان شكلاً وموضوعاً خاصة أن صمت شريف إسماعيل له من الأضرار السياسية والاجتماعية وربما أيضا الاقتصادية التى تفوق خطأه إذا تحدث بفرض أنه أخطأ.
لذلك أدعو دولة رئيس الوزراء إلى إجراء حوار أسبوعى للإذاعة المصرية يستعرض خلاله أهم ما أنجز وأبرز ما يواجهه من مشكلات وتحديات ويستقبل رسائل من المواطنين ليجيب عن ما تحويه من تساؤلات ستفتح له الباب لتعريف الناس بما تقوم به حكومته.
غير أن التواصل مع الجمهور ليس الفرصة الوحيدة التى أضاعها المهندس شريف إسماعيل، فإذا كان العائد الاقتصادى للمشروعات القومية الكبرى يحتاج إلى سنوات طويلة فثمة مشروعات أخرى لو تمت سيلمس الناس مردودها وبشكل مباشر.
من تلك المشروعات المبادرة التى أعلنها الرئيس فى يناير ٢٠١٦ بشأن المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة والتى خصص لتمويلها ٢٠٠ مليار جنيه.
تفعيل هذه المبادرة بشكل علمى واقتصادى يتيح ملايين فرص العمل للعاطلين فى المناطق الأكثر فقراً وتدفع بحركة المال داخل المجتمع ومع ذلك أهملها إسماعيل، كما أهمل إصدار اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار الجديد.
وذهب إلى إجراء تعديلات على قانون الإقامة والجنسية عنونها فى دعايته لها بأسوأ المعانى «بيع الجنسية مقابل مليون دولار وديعة» رغم أن الأمر فى جوهره ليس إلا منح ميزة نسبية للمستثمر الجاد ضمن القانون الحالى الذى يعطى حق طلب الجنسية لكل من أقام فى مصر ١٠ سنوات متواصلة.
ومع ذلك لم يفت الأوان بعد إذا تعامل المهندس شريف إسماعيل مع مبادرة الرئيس بشأن المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر بنفس النظرة للمنطقة الاقتصادية فى محيط قناة السويس، بمعنى أن يشكل هيئة مستقلة بعيداً عن الروتين والبيروقراطية لإدارة وتفعيل هذه المبادرة فى جميع المحافظات.