الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

الانتخابات بين المشاركة والمقاطعة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

[email protected]
شهدنا على شاشات التليفزيون اللقاء الأخير الذي جرى بين السيد رئيس الجمهورية ومن شاركوا فيه من أحزاب وشخصيات. لقد كان ذلك اللقاء الذي أتيحت لنا مشاهدته للمرة الأولى نموذجًا عمليًّا لما يطلق عليه “,”الحوار“,”، وهو ليس بالحوار الذي نعرفه وندرسِّه لأبنائنا في الجامعات، حيث لا يقاس الحوار فحسب بمدى السماح بتبادل الرؤى بين المشاركين فيه، بل أيضًا بقابلية موضوع النقاش الذي يدور حوله الحوار للتعديل، وكذلك بمدى الالتزام بما ينجم عنه من اتفاقات.
لقد كان الحديث يدور حول قانون الانتخابات الذي صدر بالفعل، وحين أبدى بعض الحاضرين اقتراحًا يقضي بتعديل تحديد الدوائر الانتخابية- والذي ألحق على سبيل المثال حي شبرا بوسط القاهرة- إذا بمن يذكّرهم بأن قانون الانتخابات قد صدر بالفعل، ومن ثم يستحيل تعديل بنوده. وحين بدا لبعض المتفائلين أن ثمة مخرجًا يتمثل في إعادة القانون إلى المحكمة الدستورية لتبدي رأيها النهائي في مدى مطابقة التعديلات التي أدخلها مجلس الشورى على مشروع القانون لما أبدته من ملاحظات؛ قيل للحضور إن الدستور لا يلزم مجلس الشورى ولا السيد الرئيس بإعادة القانون من جديد إلى المحكمة الدستورية. وغني عن البيان أن عدم الإلزام لا يعني المنع، بل يعني ترك الأمر لصاحب القرار دون إلزامه باتخاذ قرار معين، أي أنه ليس ثمة ما يمنع من استخدام تلك الرخصة لإعادة القانون للمحكمة الدستورية، ولو من قبيل تهدئة النفوس والطمأنة. وقيل للحضور إن السيد الرئيس قد أرسل القانون للمحكمة الدستورية، وكنا قد قرأنا بيانًا رسميًّا يفيد بأن سيادته قد أرسل القانون بالفعل ولكن “,”للعلم والإحاطة“,” وليس لإبداء الرأي. وبدا واضحًا أن الجمع إنما يناقش أمرًا سبق إقراره بشكل نهائي ولا نية للتراجع عنه. وآنذاك بدا للبعض أن ثمة تفاصيل تطبيقية إجرائية يمكن مناقشتها وتقدم ممثل أحد الأحزاب المشاركة في اللقاء بملف يتضمن أسماء وبيانات أشخاص ينتمون لحزب الحرية والعدالة تم تعيينهم في مواقع وثيقة الصلة بإجراءات العملية الانتخابية، واقترح البعض أن تعلن أسماء السادة القضاة والموظفين الموكل إليهم أعمال المعاونة قبل بدء الانتخابات بفترة كافية ليطمئن الناخبين لنزاهة عملية التصويت.
وانفض الجمع وكان القول الفصل حين عقدت اللجنة العليا للانتخابات مؤتمرًا صحفيًّا أعلنت فيه ما اتخذته من قرارات تنظيمية لا علاقة لها البتة بما دار في لقاء السيد رئيس الجمهورية، بل إن المتحدث باسم اللجنة نفى تمامًا أنه قد تسلم شيئًا يتعلق بتلك المقترحات.
جرى ذلك كله في ظل حوار حقيقي بين القوى السياسية في بلادنا حول المشاركة في الانتخابات ومقاطعتها. وقد اتخذت جبهة الإنقاذ مؤخرًا قرارها بمقاطعة الانتخابات ما لم تتوفر لها الضمانات الأساسية التي تكفل نزاهتها.
وعلينا أن نشير إلى أن ثمة تفرقة حاسمة بين نوعين من المقاطعة: مقاطعة مؤثرة وأخرى غير مؤثرة. المقاطعة المؤثرة تتضح في خلو مراكز الاقتراع بشكل ملحوظ من الناخبين (كما حدث في انتخابات 2010 وانتخابات مجلس الشورى) رغم أن ذلك لم يؤثر على الشرعية القانونية لما اتخذته تلك المجالس من قرارات وقوانين، وإن كانت تلك المقاطعة في حالة انتخابات 2010 ضمن عوامل الإسراع بثورة 25 يناير. وفارق كبير بين تلك المقاطعة المؤثرة والمقاطعة غير المؤثرة، حيث تتدفق أعداد معقولة من الناخبين على المقار الانتخابية رغم المقاطعة.
ولنتفق أولا على أن القرار في مثل هذه القضايا ليس مفاضلة بين الحرام والحلال مثلًا أو بين الوطنية والخيانة؛ بل هو مقارنة بين نتائج كل من المقاطعة والمشاركة بشكل موضوعي، بعيدًا عن الانفعالات، وهذا الأمر يستحيل على مراقب مثلي أن يحسمه، حيث يتوقف ذلك الحسم على رصد القوى السياسية – سواء من قررت المشاركة أو المقاطعة- رصدًا موضوعيًّا رقميًّا لأعضائها ومناصريهم ومشجعيهم، بعيدًا عن الميل العاطفي الحماسي؛ ليتبين لمن اختاروا المشاركة مدى طمأنينتهم لتدفق المواطنين على صناديق الانتخاب، وهو أمر قابل للرصد من جميع الأطراف، ومن ناحية أخرى ليتبين لمن اختاروا المقاطعة هل سينجحون في حشد قطاعات كبيرة من الجماهير لمقاطعة الانتخابات، وما إذا كان الأجدى كشف محاولات تزوير الانتخابات، من خلال المشاركة مع إمكانية الانسحاب خلال عملية التصويت إذا كانت ثمة تزوير واضح لإرادة الناخبين؟ وهل تكون المقاطعة بشكل سلبي يقتصر على الدعوة للبقاء في المنازل؟ أم تتخذ غير ذلك من أشكال إيجابية؟
خلاصة القول أن الأمر متعلق بحسابات قوى المعارضة وقوى السلطة على حد سواء لقدراتها الموضوعية.