تتسع دائرة المطلوبين على قوائم تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية "داعش"، بدأها التنظيم باغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، وانتهى بمحاولته الأخيرة الفاشلة لاغتيال الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق وعضو هيئة كبار العلماء؛ قد يكون التنظيم خطط في عمليته الأولى وأطلق العنان لذئابه المنفردة في عمليته الثانية، وهو ما يؤكد أن دائرة المطلوبين تتسع لتشمل قضاة وإعلاميين بعد أن وضع على رأس هؤلاء المطلوبين علماء ودعاة.
قد تكون المعركة الأولى أمام هذا التنظيم ضد القوات المسلحة والشرطة الداخلية، ولكنه يرى أن الخطورة الحقيقية في نخبة هذا المجتمع ومفكريه الذين يواجهونه بصوت العقل ومشاعر القلب التي لا تزيغ عن الحق، فاتسعت دائرته وبات الجميع على قوائم المطلوبين.
تختلف العملية الأخيرة بمحاولة استهداف أحد رموز المؤسسة الدينية في مصر عن طريق القنص المباشر، عن استهدافه موكب النائب العام قبل أكثر من عام، فكانت خطته قائمة على تفجير الموكب عبر سيارة وضعها في أحد أركان الشارع الذي مر فيه الراحل الكريم، ولعل تكتيك العمليتين والوقت الزمني الفاصل بينهما ورمزية الإقدام على أحد رجال الدين في مصر يؤكد ما ذهبنا إليه من أن قوائم المطلوبين تتسع.
قد تكون طريقة تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية "داعش" في استهداف خصومة الجدد من خلال القنص المباشر، هذه الوسيلة التي استخدامها أتباعه من جماعة أنصار الشريعة التي ظهرت في مصر بعد عام 2013 وكان انتشارها الأكبر في محافظة الشرقية، تلك المحافظة التي حوت بين جنباتها عددًا كبيرًا من الجهاديين السابقين الذين لم يراجعوا أفكارهم مع موجة المراجعات التي شملت أعدادًا من التكفيريين في نهاية تسعينيات القرن الماضي.
هذه المجموعات غالبًا ما سافرت لأفغانستان وزاولت العمل العسكري، فهي مدربة على استخدام السلاح، وقد نجحت بالفعل في تنفيذ عدد غير قليل من عمليات القنص ولكنها كانت ضد أفراد من الشرطة الداخلية وبخاصة الأمناء، نجحت أجهزة الأمن في تعقب هذه المجموعات خاصة وأن لديها معلومات وافية عنهم، وانتهت عمليات القنص ضد أفراد الشرطة، ولكن مازالت الفكرة تعبث بأدمغة إخوانهم ممن أعلنوا مبايعتهم للتنظيم فقرروا إطلاق وابل من الرصاص ضد المفتي السابق والمعروف بمواقفه وآرائه الصادمة لهذه التيارات.
قائمة تنظيم الدولة الإسلامية معروفة ومرصودة، فما من شاردة وواردة في الإعلام المصري إلا ويتابعها التنظيم عن كثب وتزعجه، غير أنه أجل معركته مع الإعلام فقط لانشغاله بمعارك أخرى، تأجيل المعركة لا يُعني عدم التفكير فيها، وأكثر ما يزعجه في الإعلام تحليل الظاهرة والتنبؤ بأهداف التنظيم المستقبلية، تعرية التنظيم وتحليل الظاهرة يؤديان لتفكيكها، فهذه الخطورة تدفعه دفعًا لإطلاق إشارة البدء لذئابه التي هاجمت أحد الرموز الدينية وقد تحاول الهجوم في المرة الثانية على أحد الرموز الإعلامية والبحثية في مجال كشف الظاهرة.
المعركة مفتوحة والجميع يقدم روحة للوطن وليس هذا فحسب، وإنما للدين الذي يحثنا على المواجهة مع دعاة الكراهية، وليس هذا فحسب وإنما للإنسانية التي تنتظر منا حربًا نقطع فيها رأس التنظيم وذيله فلا نبقي ولا نذر من جسد أصابه الخوار، حتى يهنأ الإنسان بحياة حثنا الله على الاستمتاع بها، لا يخيفنا مكرهم ولا دهائهم، فالحياة صغيرة ورسالتنا فيها أكبر من سنوات العمر التي لا قيمة لها أمام حب الوطن، فحبه من الدين.
يعلمنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عشق تراب الوطن عندما وقف أمام مكة قائلًا والدمع يذرف من قلبه الرقيق،: "والله إنك لأحب الأوطان إلى قلبي ولولا أن أهلك أخروجني منك ما خرجت"، فحب الأوطان من الإسلام ولا يصح إسلام المرء إلا بحبه لوطنه وأرضة والدفاع عنها ضد غاز أو معتد أو كاره، سواء كان عدوًا أتى من الخارج أو خرج من بين صفوفنا.
على المجتمع أن يُدرك أن مواجهة تنظيمات العنف والتطرف مسؤولية عامة، لابد أن يتشارك الجميع فيها وألا يكون العبء محصورًا على قوات الأمن فقط، فصور المواجهة كثيرة وفاعلة ومهمة، عندما تتشابك الأيدي داخل المجتمع الواحد ينحصر التطرف ويختفي الإرهاب وتذوب مؤامراته أمام حكمة المجتمع.
عندما يفتح الجميع صدره عاريًا مواجهًا الإرهاب دون خوفً أو اهتزاز، وقتها يمكن أن نقول إنا منتصرون، وأنا على ثقة بأن المجتمع يفتح ذراعية غير عابئ بحياة مقدرة برزق لا يستطيع الإنسان مد أملها ولا استعجال قضائها، فمهما اتسعت قوائمهم حتمًا سوف نحرقها.