صدر كتاب «سعدون المجنون» وعلى ظهر الغلاف كتب «هي المسرحية التاسعة عشرة فى عروض مسرحيات لينين الرملى التى بدأت عروضها منذ عام ١٩٧٤»، و«سعدون المجنون» كوميديا سوداء أو دراما ضاحكة، عرضت فى عام ١٩٩٢ وهى تشترك مع «أهلا يا بكوات» و«وجهة نظر» و«بالعربى الفصيح» فى تناولها للواقعين المصرى والعربى من خلال رؤية فكرية متميزة مثيرة للنقاش والجدل وهى تحاول الإمساك بواقع اللحظة الراهنة وفى الوقت نفسه تبحث عن جذورها فى الماضى القريب.
ولا شك أن بعض المثقفين الذين كتبوا إقرارات وتعهدات للرئيس قد غيروا آراءهم، وفوجئت بعد ظهور المسرحية بفترة أنه ظهر فى ألمانيا فيلم اقتبس الكثير من مسرحيتي! وكان بالطبع بعد أن عادت ألمانيا موحدة.
ولم أعرف بذلك لكن غيرى كتب ذلك، ولكن كان الكاتب ناقدا إسرائيليا يكتب ويتحدث العربية، وكان صديقا لنجيب محفوظ ويزوره فى بيته كما كتب ناقدنا الراحل العظيم فؤاد دوارة عندما سـأله عن ذلك فأجاب بنعم ولكن ناقدنا الذى حاوره لم يعقب على ذلك.
ووصلت إلى يدى ترجمة المقال، ومع ذلك لم أهتم أو أشكُ فقد كتب أن الفيلم مسروق من مسرحية لينين الرملى وكتب هذا بوضوح ورد عليه كاتب الفيلم ينفى ذلك، لكن الكاتب الإسرائيلى عاد وكتب ثانية يؤكد أنه سرق العمل، وساق كل الدلائل على هذا وصمت المخرج بعدها.
لكن الأغرب أن أحد الكتاب المصريين الذى أجله رغم كل شيء، والذى لم يعرف بهذا الأمر كتب يقول إنى تصورت هذا من ناحيتى بدون أن يقرأ أيا من الكاتبين ولم أحاول أن أرسل له المقالات الثلاثة كى لا أحرجه.
أثارت مسرحية «سعدون المجنون» غبارا كثيفا، مثل «بالعربى الفصيح» لكن الأكثرية من الجمهور تقبلتها، أما الذى اهتاج منها كثيرا فكان هو زعيم الحزب الشيوعى الذى سجنه جمال عبدالناصر! والذى لم يعفُ عنه ومن معه إلا بعد أن وقع على وثيقة حل منظمته إلى الأبد وتبرأ من كل الذين لازموه وعملوا معه، وكان هذا أيضا بناء على طلب السوفيت من ناصر، والذى بعد خروجه من السجن راح هو ومحمد حسنين هيكل وعلى ما أظن أحمد بهاء الدين يتناوبون الحديث كل أسبوع كى يقنع كل منهم الناس بكل ما فعله ناصر وكل ما يفعله الآن وما سوف يفعله فى القادم بالتأكيد رغم وفاته، وما زال بعض الناس يقدسونه حتى الآن، ولكن مع رئاسة السادات لم يسمح لهم أن يكتبوا على غرار ما كتبوه مع ناصر إلى حد أنه وضع الكثيرين منهم فى السجن وإن كان أخف كثيرا من سجن عبدالناصر وبشهادتهم هم، وسرعان ما أفرج عنهم فيما بعد، لكن المناضل القوى زعيم الشيوعيين راح يبحث عن مطبوعة يكتب فيها رأيه ضد مسرحيتى فلم يجد أحدا يقبلها تقريبا إلا كتابة مقال ضد المسرحية بقوة ولكن فى مجلة شهرية كانت تصدرها نقابة المهن التمثيلية ولكن حتى هذه المجلة توقفت تماما بعد هذا المقال. ومثلما أثارت مسرحية «بالعربى الفصيح» جاءت خلفها مسرحية «سعدون المجنون»، وكان المتفرجون يضحكون ويندهشون مما يرونه على المسرح لأول مرة، وجاءنى أيضا كثير من المراسلين الأجانب من عدة بلاد أجنبية خاصة من إيطاليا وأجروا معى أحاديث مسجلة عن المسرحية وغيرهم.
وفى ندوة عقدت لى فى الهيئة العامة للكتاب عن المسرحية وجدت محمود أمين العالم واقفا يستمع إلى حديثى عن المسرحية ولكنه لم يحاول أن يتدخل فى النقاش، وإنما اكتفى أن يسمع النقاش، وهو النقاش الذى لم يكن ممكنا قبل ذلك بالطبع، لكن بعضهم من الناصريين لم يعجبوا بما فعلته بينما سكت بعضهم حتى لا يفتحوا على أنفسهم ما قد يؤذيهم.
وبعضهم من الذين أجبروا على العمل مع النظام من شخصيات معروفة ومنهم الممثلون والممثلات رأيتهم وهم يتابعون أحداث المسرحية بشيء من التشفى، وكان يحيى الفخرانى الذى لعب دور البطولة لم يكن منهم، وبعد سنوات أخرى كانت زوجته لميس جابر ما زالت ناصرية تماما ثم فجأة غيرت رأيها عندما قرأت بعض الكتب تتحدث عن تاريخ الملك فاروق فى مسلسل كانت تكتبه ثم رأيتها يوما تهرع نحوى لتقول لى أمام جمع من الناس إنى كنت على حق فيما ذهبت إليه فى مسرحيتى لأنها عندما قرأت التاريخ جيدا لتكتب عن الملك فاروق اكتشفت أن الحقيقة تختلف كثيرا عما قرأته عن ناصر وما سمعته منه وهتفت له طوال سنوات كثيرة فى حياتها وأكبرت لها هذا الاعتراف.