يتحدث بعضهم عن النزيف الهائل الذى تتعرض له شعبية الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الشارع المصرى، يعظمون من بعض إخفاقات هنا وهناك، وهى إخفاقات لم يكن أداء الرئيس وحده سببا فيها، بقدر ما كان سببها حجم التطلعات والطموحات الكبيرة التى علقها المصريون على كتفيه، لكن بفعل المعوقات والتحديات وسوء الإدارة وأشياء أخرى متعلقة بالخبرة السياسية تحولت التطلعات إلى إحباطات.
ويتحدث البعض عن رغبة تقف وراءها أسباب ودوافع منطقية، فى أن يظل السيسى فى منصبه رئيسًا للجمهورية، ليس لفترة رئاسية ثانية، ولكن لفترات رئاسية متجددة، تأسيسًا على مشروعه فى تحديث مصر وإعادة هيبتها، والذى يحتاج إلى سنوات طويلة، فما تم تخريبه خلال عقود طويلة، لا يمكن إصلاحه فى سنوات قليلة، ثم إن الخطر لا يزال محدقًا بمصر ومحيطا بها، وهو خطر ليس له إلا رئيس يمتلك كل هذا القدر من الرغبة فى العمل والقدرة على المواجهة.
بين المتحدثين، أفكر فى انتخابات الرئاسة القادمة، فالدستور ينص على فترتين فقط لشاغل المنصب، وأعتقد أن الرئيس عبدالفتاح السيسى سيرشح نفسه، حتى لو تردد من آن لآخر أنه لن يفعلها، فما بدأه لا بد أن يكمله، ثم إن الأساس الذى وضعه فى فترته الأولى لا بد أن يكمل البناء عليه، وبعيدا عنه، فإن قرار ترشحه لفترة ثانية من عدمه ليس قراره وحده، المحيطون به لن يسمحوا له بالتراجع، والذين يؤيدونه وهم بالملايين، لن يتسامحوا معه إذا خرج عليهم برغبته فى أن يستريح، بعد أن بذل جهدا خارقا خلال فترته الرئاسية الأولى.
القلق بالنسبة لى لا يأتى من عدم ترشيح السيسى نفسه لفترة رئاسية جديدة، فالأمر يكاد يكون محسومًا على الأرض، واقعيًا لا يمكنه أن يتراجع، لكن مصدر القلق أن المجال العام يكاد يكون فارغًا من منافسين لهم قيمة وقدر، يمكن أن نجدهم على خريطة الانتخابات الرئاسية القادمة، وأعتقد أن حمدين صباحى سيتراجع عن الترشح، بعد الهجوم الشديد الذى لاقاه خلال السنوات الماضية، لقد تحمل ما لا يطيقه أحد فى الانتخابات الرئاسية الماضية، وبدلا من أن نكرمه قابلناه بالإهانة والهجوم والطعن فى وطنيته، رغم أنه كمعارض لا يجب أن ننتظر منه إلا ما قام به.
الأحزاب المصرية التى لا نعرفها، من كثرة أسمائها وهزال دورها وتراجع تأثيرها، لن تكون قادرة على تقديم مرشحين لهم قيمة، كما أن العسكريين السابقين لن يتقدموا للترشح أمام قائد عسكرى، وذلك لاعتبارات خاصة بالمؤسسة العسكرية وتقاليدها، ولا توجد شخصية علمية أو سياسية لها اعتبارها الذى يؤهلها لأن تنافس على المنصب الكبير، وتستطيع أن تحصد تأييدًا كبيرًا، يجعل من الانتخابات الرئاسية منافسة قوية، وليس تمثيلية تقليدية وسخيفة، يتم من خلالها تمرير السيسى رئيسًا لفترة رئاسية ثانية.
عن نفسى سأمنح السيسى صوتى إذا ترشح فى الانتخابات الرئاسية القادمة، وسأدعو إلى انتخابه، لأنه لا يزال الرئيس الضرورة، لكن السؤال هو: لماذا لا يفرز العمل السياسى فى مصر منافسين لهم آراء مختلفة ومتباينة، يقدمون أفكارهم للناس؟، على الأقل يكون الاختيار فى الانتخابات الرئاسية من بين أفكار وليس من بين أشخاص، سيضمن هذا على الأقل حيوية فى المجال العام نفتقدها كثيرًا.
أنا ضد السخرية من أى مواطن، فى الداخل أو الخارج، يطرح نفسه منافسًا فى الانتخابات الرئاسية القادمة، ليس لأنه من المهم أن يكون هناك منافسون لعبدالفتاح السيسى فقط، ولكن لأننا فى حاجة إلى مزيد من الحيوية فى حياتنا، فالحياة تتسع للجميع، والطبيعى لمن يشرحون أنفسهم للرئاسة ولا يصلون إلى المنصب، لأن الرئيس واحد فقط، أن ينزلوا إلى جماهيرهم ومن يؤيدونهم، يعملون من أجل التنمية والتقدم وجعل الحياة أفضل، ليس معقولا أن يصبح من يرشح نفسه للرئاسة خصمًا وعدوًا لا بد من التخلص منه وتشويهه.
اجعلونا نشعر بأننا نعيش فى وطن طبيعى، وأننا لسنا من سكان كوكب لا منطق ولا عقل ولا ضمير فيه.