توقفنا فى المقال السابق عند إعلان هشام قنديل تشكيل وزارته الأولى فى ٢ أغسطس ٢٠١٢، والتى أبقت على تسعة وزراء من حكومة الجنزورى، وضمت ثلاثة وزراء جدد من المحسوبين على نظام الرئيس مبارك، وسبعة وزراء من المنتمين تنظيميًا إلى التيارات الإسلامية، وستة ممن يميلون إلى هذه التيارات دون الانتماء المباشر لها، وكان الإعلان عن الأسماء بمثابة صدمة جديدة للرأى العام الذى تلقى الصدمة الأولى عند اختيار شخص رئيس الوزراء والذى كان مرسى قد وعد بأن يكون شخصية سياسية بارزة فإذا به يأتى بهشام قنديل، وأثناء تكليفه بتشكيل الوزارة وعد مرسى بأن الوزارة الجديدة ستكون من التكنوقراط فإذ بها تضم عناصر من الإخوان تنقصهم الخبرة الإدارية والمهنية التى تؤهلهم لتولى الحقائب التى أسندت إليهم كصلاح عبدالمقصود الذى عين وزيرًا للإعلام وأسامة ياسين الذى أصبح وزيرًا للشباب، ومصطفى السيد مسعد الذى صار وزيرًا للتعليم، كما تم اختيار المستشار أحمد مكى، وزيرًا للعدل، لدعمه وقربه من جماعة الإخوان وتأييده لها، ومن باب المجاملة أسندت وزارة الشئون القانونية والمجالس النيابية للدكتور محمد محسوب، والذى ينتمى إلى حزب الوسط الخارج من عباءة الإخوان، وعقب الإعلان عن هذه الوزارة بدأ الجميع يتهامس عن أخونة الدولة، ذلك المصطلح الذى ظهر عشية تأدية أعضاء هذه الوزارة اليمين القانونية، وقد بات واضحًا أن مرسى لا كلمة له ولا عهد، وأن كل وعوده كاذبة تماما كوعود جماعته التى أعلنت عن عدم خوضها الانتخابات البرلمانية على أكثر من ثلث المقاعد فإذ بهم يفعلون عكس ما وعدوا، ثم أعلن المرشد بنفسه فى حديث تليفزيونى بأن الجماعة لا تنوى الدفع بمرشح فى الانتخابات الرئاسية فإذ بهم للمرة الثانية يفعلون عكس ما وعدوا، وها هو ذا مرسى يسير على نفس الدرب حين قال إن رئيس الوزراء سيكون شخصية ذات ثقل سياسى، وإن حكومته ستكون من التكنوقراط وإنه ما زال عند وعده بحل أربع مشكلات أساسية يعانى منها المجتمع المصرى خلال مائة يوم فقط، ولكن الناس فقدت الأمل سريعًا، فالتحديات تتصاعد والأزمات تتوالى وشوارع القاهرة والمدن الرئيسية تتراكم بها القمامة، ومنظومة الأمن غائبة فحوادث الخطف وسرقة السيارات تزداد كل يوم، وأزمة الطاقة تؤدى إلى انقطاع التيار الكهربائى بشكل مستمر، والمصانع تغلق أبوابها ومحتويات الثلاجات فى السوبر ماركت تتحلل، وأطفال الحضانات يموتون بينما مرسى يخرج للإعلام ليقول بالحرف الواحد «لازم نستحمل، إخوانا فى غزة مش لاقين كهربا، شوية لينا وشوية ليهم»، وهكذا بدأ مرسى فى فقد شعبيته خلال أيام قليلة من حكمه وبأسرع مما يتوقع الجميع، وحين اجتمع بالوزارة الجديدة واستمع لحقيقة الوضع الاقتصادى والذى جاء مماثلًا لما أخبره به الدكتور الجنزورى قبل أن يترك منصبه استشعر مرسى الخطر الذى يحيط بنظامه وراح يسأل عن الحل، فأجابه ممتاز السعيد، وزير المالية، بأن الحكومة السابقة كانت قد توصلت إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولى ولكن برلمان الإخوان قد رفض هذا الاتفاق باعتباره من الربا، وكانت المفاجأة حين طلب مرسى سرعة معاودة الاتصال بصندوق النقد الدولى مرة أخرى لإتمام الاتفاق الذى كان قد توصل إليه الدكتور الجنزورى، وطلب مرسى من المشير طنطاوى أن يطالعه على ميزانية الجيش فوافق الرجل على الفور، وأحضر له اللواء محمود نصر المسئول عن الشئون المالية بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذى عرض عليه بأمانة تامة وبكل صدق ميزانية الجيش، وفهم مرسى كيف أن الجيش منذ ٢٠١١ قد ضخ أموالًا طائلة من ميزانيته فى قطاعات عديدة لكى تظل الدولة المصرية واقفة على قدميها، فأثنى مرسى على الجيش ورجاله وامتدحهم بعبارات الحب والعرفان، وفى اليوم التالى حضر اللواء مراد موافى إلى الرئاسة وأبلغ مرسى بأن لديه معلومات مؤكدة عن هجوم إرهابى محتمل يستهدف وحدات عسكرية فى سيناء تشارك فيه بعض العناصر الفلسطينية، فصمت مرسى ولم يحرك ساكنًا وكان من المفترض أن يبلغ المشير طنطاوى بهذا الأمر فورًا، لكنه لم يفعل ذلك وآثر الصمت.. وللحديث بقية.
آراء حرة
30 يونيو المقدمات والنهايات (6)
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق