الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

محمد خان.. وفرسان الكوكبة السبعة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
محمد خان.. واحد من كوكبة فى الحياة السينمائية والثقافية الوطنية المصرية، بدأ مشوارهم وكدحهم يعطى أجمل الثمار، مع خواتيم سبعينيات القرن العشرين ومفتتح الثمانينيات، فى الإخراج وكتابة السيناريو والتصوير والمونتاج، ومختلف عناصر العملية السينمائية. ولقد بزغت وبرزت على الفور سبعة أسماء، من المخرجين المتميزين، سبقهم على بدرخان بفيلم «أهل القمة» عام ١٩٨١، والذى يظل أهم وأحسن أفلامه إلى جانب فيلم «الجوع» ١٩٨٦ (عن ملحمة الحرافيش لنجيب محفوظ)، أما الفرسان السبعة، فقد كنتُ عادة، كمدخل عام، أقسم أو أقدم خريطتهم على النحو التالى:
محمد شبل.. الذى قدم أول وأهم أفلامه الفانتازيا السياسية «أنياب» عام ١٩٨١، ولم يمهله القدر فرحل قبل أن يكمل مسيرته.
مخرجان هما الأوفر إنتاجًا على نحو ملحوظ، أكثر من غيرهما من فرسان الكوكبة السبعة، عاطف الطيب الذى قدم «سواق الأتوبيس» ١٩٨٣، وهو ثانى أفلامه وأول أفلامه المتميزة.. ومحمد خان الذى قدم «ضربة شمس» ١٩٨٠ وهو أول أفلامه، ثم كان «طائر على الطريق» و«موعد مع العشاء» ١٩٨١، وكلاهما أول أفلامه المتميزة.
ومخرجان، قدما من السينما التسجيلية.. هما خيرى بشارة، الذى أخرج «العوامة ٧٠» ١٩٨٢ وهو ثانى أفلامه وأول أفلامه المتميزة.. وداود عبدالسيد، الذى قدم أول أفلامه «الصعاليك» ١٩٨٥، وهو فى ذات الوقت من أفلامه المتميزة.
ثم مخرجان، قدما من كتابة السيناريو.. هما رأفت الميهى، الذى تراوحت أفلامه بين الواقعية والفانتازيا، وإن غلبت الأخيرة واشتهر بها، وكان أولها «عيون لا تنام» ١٩٨١ وهو من أفلامه الواقعية والمتميزة.. وبشير الديك الذى يقف مع الميهى ضمن صدارة كتاب السيناريو فى كل تاريخ السينما المصرية، على أنه ساهم أيضًا بإخراج فيلمين، هما «الطوفان» ١٩٨٥ و«سكة سفر» ١٩٨٧ ونعد كليهما أيضًا من الأفلام المتميزة.
وإذا كان على بدرخان قد سبق كوكبة الأعلام السبعة، لهذه الموجة السينمائية المجددة فى السينما المصرية، المنطلقة مع مطلع الثمانينيات، فإنه لم يلبث أن لحق بكوكبة السبعة أسماء فى الإخراج السينمائى بالغة الأهمية بدورها: رضوان الكاشف وأول أعماله وهى قليلة لرحيله المباغت المبكر «ليه يا بنفسج» وذروتها «عرق البلح»، ومجدى أحمد على الذى بدأ أعماله بالفيلم المتميز «يا دنيا يا غرامي»، ومحمد كامل القليوبى الذى قدم ضمن أعماله الفيلم المتميز «البحر بيضحك ليه»، وسيد سعيد الذى كان فيلمه الوحيد «القبطان» من الأعمال المتميزة، وشريف عرفة (برباعيته مع كاتب السيناريو الكبير ماهر عواد ثم خماسيته مع الكاتب المخضرم وحيد حامد والنجم عادل إمام)، وأسامة فوزى بمجموعة أفلام بدأها بفيلمه المتميز «عفاريت الأسفلت».. وهكذا، هى روح جديدة سرت فى السينما المصرية، وسط ورغم أوضاع مجتمعية سياسية وثقافية متردية، ومع ذلك فقد ظهرت هذه الظاهرة المفرحة.
وقد أطلق مجمل النقاد على عطاء كوكبة السبعة تسمية جيل الثمانينيات أو موجة الثمانينيات، واشتهرت تسمية الناقد البارز سمير فريد لهذه الموجة «بالواقعية الجديدة» (وقد أصدر كتابًا بهذا العنوان)، وهى تسمية مناسبة معبرة، وإن لم تكن جامعة مانعة، وكاتب هذه السطور يؤثر عادة تسميتها (حركة تجديد السينما)، خاصة أن بعض عيون سينما هذه الكوكبة لا تنتمى إلى الواقعية وفى المقدمة فانتازيا الميهى.
هذا هو مدخل، أو بالأحرى موجز لمدخل، إلى عالم وإسهام وإبداعات وجماليات سينما المخرج الكبير محمد خان ومشواره، الذى غادرنا بغتة فجر الثلاثاء ٢٦ يوليو ٢٠١٦، وكاد يتوافق هذا التاريخ الحزين مع الذكرى الأولى لرحيل الرائد القطب الآخر فى كوكبة السبعة المدهشة: رأفت الميهى.
زلزل خبر رحيل محمد خان الجميع، خاصة أنه كان لا يزال فى ذروة العطاء، وأنه كان من طراز المبدعين الذى يظل يبدع ويعطى ويسطع عمله، حتى آخر لحظة من عمره.. وقد كان آخر أعماله فى نفس عام رحيله فيلم (قبل زحمة الصيف).. وأحسب أن زلزال رحيله وتوابعه وأثره القاسى الحزين سوف يبقى طويلًا، وأن الحديث والبحث على كل مستوى، سوف يشمل باستمرار كل أعماله، سواء مجملها، أو زوايا فيها، أو كل فيلم على حدة.
وعندنا أن الناس والتاريخ، وأجيالًا من الجمهور ومن الباحثين، سوف يتوقفون طويلًا على الخصوص، أمام أفلام (فارس) السينما المصرية والعربية، بكل تميزه وروح عالمه السينمائى الخاصة وجمالياته المتفردة البارعة الممتعة. (وفارس: هو اسم أثير لديه فى أفلامه).
وضمن أفلام محمد خان، فى الصدارة، من أعمال البداية: طائر على الطريق، موعد على العشاء (كلاهما ١٩٨١)، الحريف (١٩٨٤)، عودة مواطن (١٩٨٦)، أحلام هند وكاميليا (١٩٨٨)، سوبر ماركت (١٩٩٠).. ومن أعمال الخواتيم: فتاة المصنع (٢٠١٤).
لكن سينما خان.. فى الحقيقة لها بداية.. لكن لن تكون لها نهاية أبدًا.
لقد أخذت سبعة أفلام فقط، كنماذج لحصيلة بالغة الثراء واضحة التميز بل التفرد، لمخرجنا الفذ، فلتكن اقتراحًا (بأسبوع لأفلامه)، يكون محلًا للتأمل والندوات العلمية والدراسات النقدية الرصينة.. لكن معظم أفلام محمد خان فى الحقيقة، جديرة بالاعتداد والإعجاب، مثلما مخرجها جدير دومًا بالاعتزاز والمحبة.. وبأن تفتخر به مصر دائمًا وأبدًا، فهؤلاء الأعلام المصريون مثل محمد خان هم الذين يؤكدون هوية مصر الحقيقية وطابعها الحضارى ونكهتها المتفردة، وليس الأمر أن حكامًا أو إدارة ما فى يدها هى أن تعطى لأمثال محمد خان.. الهوية والاعتراف، أو «الجنسية»!!.. التى اعتقدوا أنهم أعطوها له، ومتأخرًا جدًا عندما بلغ السبعين.. بينما هو لم يكن قط محتاجًا إليها! بل جميعنا وبلادنا كلها.. من فى احتياج ماس إليه وإلى إبداعه العظيم!.
كتبت هذا المعنى فى جريدة «العربي» يومًا، جامعًا فى نفس المقال بينه، والمذيعة الرائعة السورية العروبية الراحلة «رشا مدينة»، حيث نفس مسألة التعنت الغريب الغبى والمستمر فى منح الجنسية المصرية لكليهما.. قرأ محمد خان ما كتبت، وشكرنى باسمًا من قلبه وروحه العذبة الراقية.. ثم قال لى: «ولا يهمك.. لا تهتم.. أنا لم أعد أفكر فى هذا».
لكننى.. بالقدر الذى عرفته به، لمحت رغم كل شيء، ورغم هذه الابتسامة الواضحة.. أن هذه الابتسامة كانت تحاول.. أن تدارى مرارة.
مرارة حقيقية.. لم تغب هذه اللحظة عن بالى قط.
كلمة سلام.. لا ختام أو وداع:
لم أشعر أننا نودع (محمد خان)، فى جامع مسجد عمر مكرم.. وإنما شعرت أننا معه وفى رحاب حضوره الآسر وأنفاسه.. نسامره ونجالسه.. ونمرح معه ويمزح.. كعادته كذروة للرقى والمرح النبيل.. والعذوبة والنقاء فى كل شىء.