تبعد تركيا مسافة طويلة للغاية عن مدينة كليفلاند، حيث يعقد الجمهوريون مؤتمرهم الانتخابى الرئاسى. ولكننى أود منكم أن تعكفوا على دراسة الانقلاب العسكرى التركى الفاشل ضد الرئيس أردوغان. الولايات المتحدة ليست تركيا بكل تأكيد، ولكن من حيث الشخصية والاستراتيجية السياسية، أعتقد أن أردوغان ودونالد ترامب توأم انفصلا لحظة الولادة.
والدراما السياسية التى تدور حلقاتها فى تركيا اليوم ليست إلا قصة الدولة الناجحة التى انحرفت عن مسارها عندما «يشيطن» زعيمها معارضيه وخصومه ويتوه فى مستنقعات نظرية المؤامرة، حتى يظن أنه وحده المستهدف والمقصود، وهو الوحيد الذى بإمكانه أن يعيد العظمة والفخار لبلاده دون غيره.
دعونا نبدأ بأردوغان، الذى شغل منصب رئيس وزراء تركيا فى الفترة منذ عام ٢٠٠٣ وحتى ٢٠١٤، ثم حاور وناور ليتبوأ منصب الرئيس الشرفى للبلاد بغية تحويل كافة مفاتيح الحكم والسلطة إلى يديه عبر منصبه الجديد. أعترف أننى عندما سمعت عن محاولة الانقلاب العسكرى الفاشل فى ١٥ يوليو الحالي، كان حدسى الأول هو مشورة جوديث مارتن، الكاتبة العريقة فى صحيفة «واشنطن بوست» التى تحمل الاسم المستعار «ميس مانرز»، وذلك لأننى كنت أسأل نفسى: «ما هو الرد السليم عندما تحدث الأشياء السيئة للشخصيات السيئة؟».
أى شخص كان يتابع تركيا عن كثب خلال الفترة الأخيرة سوف يقر بأن أردوغان كان يسير على طريق الانقلاب ضد الديمقراطية التركية، خطوة تلو الأخرى، على مدى سنوات، فلقد سجن الصحفيين.
أشعر بسعادة لفشل الانقلاب التركي، خاصة على النحو الذى سارت به الأمور، وأشارك الكثير من العلمانيين الأتراك الذين عارضوا حكم أردوغان الاستبدادي، إلا أنهم عارضوا الانقلاب ووقفوا فى مواجهة المتآمرين استنادًا إلى مبدأ وجوب المحافظة على الديمقراطية التركية. أدى نضج الشعب التركى إلى حصول أردوغان على ما يعرفه لاعبو الجولف باسم «موليغان»، أو البدء من جديد، لإظهار مدى التزامه بالمبادئ العالمية للديمقراطية. فهل سيفعل؟ أو ربما ينطلق إلى وسائله المفضلة للبقاء فى السلطة: تقسيم الشعب التركى إلى مؤيدين للدولة وأعداء لها؟
العلامات المبكرة لما بعد الانقلاب التركى سيئة. بعد يوم من الانقلاب الفاشل، فصل أردوغان ٢٧٤٥ من القضاة وأعضاء النيابة العامة من مناصبهم. فكيف تمكن وخلال يوم واحد فقط من تحديد هويات القضاة والمدعين المفصولين؟ هل كانت بحوزته قائمة بأسماء الأعداء قبل الانقلاب؟ وإليكم المأساة الحقيقية: كان أردوغان زعيمًا بارزًا خلال السنوات الخمس الأولى من رئاسته للبلاد، حيث عمل على تعزيز اقتصاد البلاد ورفع مستوى معيشة الطبقة المتوسطة. ولكن منذ ذلك الحين بدأ فى التكبر، وشرع فى سلوكياته السيئة على نحو متزايد ومحاولة خلق «نحن فى مواجهة الآخر» داخليا بين أنصاره الأكثر التزاما من الناحية الدينية، والمجتمعات الأكثر علمانية فى البلاد.
وحيث إن أنصاره يعتبرون أن كرامتهم الشخصية تظل محفوظة ببقاء الرجل على رأس السلطة، فيمكنه نظرًا لذلك أن يقول ويفعل أى شيء ومن دون أن يكلف نفسه سداد ثمن أفعاله من الناحية السياسية. يعتمد ترامب على نفس التكتيكات، فهو يلفق الحقائق والأرقام على نطاق كبير. وهو دائمًا ما يلوح، وبانتظام، بنظريات المؤامرة وآخرها أن «لغة الجسد» الخاصة بالرئيس باراك أوباما توحى بأن «هنالك شيئًا ما يجرى فى الخفاء» لدى الرئيس، فى إشارة إلى أنه يشعر بنوع من التعاطف ناحية التطرف الإسلاموى.
كما يعتمد ترامب على رابطة «نحن فى مواجهة الآخر» بينه وبين أنصاره لتفادى العقاب على أى سلوك سيئ من سلوكياته. كما أنه مهووس أيضا ببراعته الخاصة، وهو يستخدم موقع «تويتر» للالتفاف حول حراس وسائل الإعلام التقليدية والمدققين فى الحقائق أيضًا بغية أن يحقن أى شيء يريده فى شرايين وسائل الإعلام العاملة فى البلاد.
وأغلب الناس الذين يحيطون بترامب إما أن يكونوا من أفراد أسرته أو أصحاب الدرجة الثانية من الذين يبحثون عن دور فى الحياة.
إذا ما انتخب ترامب رئيسًا للبلاد، فلا أعتقد أنه سوف يشهد انقلابًا عسكريًا، ولكننى أؤكد لكم صحة تنبؤات جيب بوش وقتها، من أنه سوف يصبح «رئيس الفوضى» بالضبط كما كان «مرشح الفوضى».
إذا كان يروق لكم ما ترونه يجرى فى تركيا الآن، فمن دون شك أنكم سوف تعشقون الولايات المتحدة فى عهد ترامب.
نقلًا عن الشرق الأوسط