السبت 28 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

بنات الإرهاب.. القصة الكاملة لـ"نساء داعش"

 صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ظلت المرأة الرقم الأصعب فى معادلات تيارات الإسلام السياسى، ففى الوقت الذى كانت تبحث فيه المجتمعات العربية قضايا الحداثة، وفى القلب منها تحرير المرأة، كانت الجماعات الجهادية تنظر فى إشكاليات المرأة، بما يتناسب مع موقعها التكفيرى، وأولى هذه الإشكاليات يطرحها تساؤل: هل نشرك المرأة فى دعم الجهاد، أم أن تكوينها ككائن ضعيف وناقص يحول دون ذلك؟ ومن قصر دورها على ولادة «جيل جهادى» وتربيته على التكفير وبغض العالم. قبل داعش، وقفت الجماعات الإرهابية عند تلك النقطة، وتخطتها قليلًا بالسماح للمرأة بتلقى بعض التدريبات ودروس العلم، تمهد العمليات للإرهابيين الرجال، إلى أن استطاع تنظيم داعش الإرهابى أن يقفز خطوة واسعة ويشكل جيلًا جديدًا من الإرهابيات، ليس فقط فى كونهن شقائق الرجال فى الإرهاب، وإنما أيضًا فى «الحث على النفير»، واستخدام قصصهن التى يصوغها التنظيم بحرفية ودرامية، بهدف استقطاب شباب جدد، مستخدماً نبرة «النساء نفرن للجهاد وأنت لا تزال مع القاعدين»، و«أنقذوا أخواتكن فى السجون والمعتقلات».
نساء القاعدة 
فى أفغانستان، تحديدًا قندهار، بدأت رحلات النساء صوب ما حسبنه جهادًا، حينما اصطحبهن الأزواج إلى أرض «الجهاد» آنذاك، منذ الثمانينيات.. لم تكن أعدادهن وقتها كبيرة، عشرات يتلقين «دروس العلم» فى بيت أسامة بن لادن، تلقيها زوجته وبناته، حول الجهاد والفقه وعلوم أخرى، بغية إقناع المرأة بمثل هذه القضايا ومن ثم الدفع بزوجها وأبنائها إلى الطريق، من دون أن تشارك بشكل مباشر فى العمليات.
أظهرت هذه الطريقة نجاحًا فى مسار آخر، فحين تعود الزوجة إلى الوطن، متسلحة بالأفكار الإرهابية، تبدأ مهمة جديدة، هى استقطاب نساء، خاصة زوجات وأمهات المعتقلين، وهو ما كشف بعد أن ألقت السلطات السعودية القبض على اثنتين تقومان بتنفيذ مهمة أوكلها لهما التنظيم، ولقاء أسر المعتقلين، وجمع الأموال منها لصالح التنظيم، وإقناع النساء بإرسال أبنائهن إلى أفغانستان.
السيدتان اللتان نشر عنهما تقرير مفصل فى صحيفة الشرق الأوسط السعودية، إحداهما يمنية لزوج سعودى، ذهبت مع زوجها، المقبوض عليه أيضًا، إلى أفغانستان، عبر باكستان أولًا، حيث استقبلتها إحدى المضيفات التابعات لتنظيم القاعدة فى مدينة كويتا، ثم وصلت إلى قندهار، وأقامت فى منزل تقطنه بعض الأسر اليمنية، ثم اصطحبها زوجها لمنزل أسامة بن لادن، لتحضر درسا أسبوعيا، عند زوجته، يتناول العقيدة والفقه ودروسا عن القتال والرباط، ودور تنظيم القاعدة فى تحقيق ذلك، ودور المرأة فى الدعاء للمقاتلين، ومؤازرتهم، ومعها زوجات عناصر التنظيم من الجنسيتين المصرية والجزائرية، كما كانت تتعلم اللغة العربية عند زوجة بن لادن الأخرى، وهى سعودية الجنسية.
فى تلك الفترة ظهر مصطلح جديد فى الأدبيات الجهادية، يظهر دور المرأة آنذاك، وهو «السياحة الجهادية»، وهو ما وصفه المتخصصون بأنه «من باب توفير استقرار نفسي للمقاتلين، من خلال الالتقاء بالأمهات والزوجات، ومن جانب آخر، فرصة مهمة لقادة التنظيم بما توفره من حشد التأييد الشعبى بعد عودة النساء إلى المجتمعات الأصلية»، وفى الفترة من ٢٠٠٠ إلى ٢٠٠٥، عقب خروج تنظيم القاعدة من أفغانستان، بدأ التنظيم يركز على استقطاب النساء ويمنح لهن مساحة أكبر للتعبير عن أنفسهن، عبر إنشاء مواقع نسائية خاصة، ومجلات وصفحات موجهة لتجنيد السيدات، وهى حقبة وصفت بأنها «ساخنة» فى اتجاه الزج الفكرى الهائل للمشاركة النسائية ضمن خلايا «القاعدة» فى العراق والشيشان والمغرب العربى.
فهل وقف دور نساء القاعدة عند هذا الحد؟ تجيب الباحثة هدى صالح فى ورقة بحثية عن «بنات الإرهاب»، نشرها مركز الدراسات والبحوث، موضحة أن تنظيم القاعدة استخدمهن فيما بعد فى بعض العمليات الإرهابية، التى قام بها على سبيل التضليل أو تسهيل مهمة المقاتلين، فتقول: «بعض مسلحى القاعدة اصطحبوا زوجاتهن ليتواروا عن الأنظار، كى لا يشتبه فيهم الجيران ورجال الشرطة، وبعضهن أدين أدوارًا لوجستية ثانوية ومهمات إعلامية»، فقد نشرت لهن مجلة «صوت الجهاد» مقالات عدة وقعت بأسماء مستعارة، كما قام «المكتب الإعلامى النسائى بجزيرة العرب» بإصدار مجلة «الخنساء»، إلا أن تلك الفترة لم تشهد مشاركة أية امرأة فى العمليات، والتى بدأت تظهر على استحياء فيما بعد، من خلال الانتحاريات، مثل العراقيتين ساجدة عتروس الريشاوى، ورانيا إبراهيم المطلك، التى لم يتجاوز عمرها الخامسة عشرة.
هذا التحول لم يكن نتاجا فكريا للتنظيم، إنما بسبب اختلاف فى الرؤية، لا يزال موجودا حتى الآن بالقاعدة، فثمة فريق يتمسك بالفكرة الجهادية التقليدية، التى ترى أن دور المرأة يقتصر على إعداد المقاتلين، وهو الفريق الذى يتزعمه أيمن الظواهرى، الزعيم الحالى للقاعدة، فقد وجهت زوجته «أميمة» رسالة فى ديسمبر ٢٠٠٩ إلى النساء المسلمات، ترفض فيها التحاقهن بالجهاد، وتحثهن على عدم فعل ذلك، لأن طريق القتال ليس سهلًا بالنسبة للمرأة، فهو يحتاج إلى محرم، ودعتهن إلى دعم الجهاد بوسائل أخرى، وهذا التيار لا يزال موجودًا على الرغم من ظهور داعش، ومن أبرز الرافضين لنفير النساء، ابنة يوسف العييرى، مؤسس القاعدة فى السعودية، فهى لا تزال محافظة على الميراث الفكرى لوالدها، وتتبنى الموقف ذاته عبر حساباتها فى تويتر «كتيبة السلاح»، عبر هاشتاج «لا لنفير النساء».
أما التيار أو الفريق الثانى بالقاعدة، والذى بدأ يدعو إلى مشاركة النساء فى «الجهاد» أو العمليات، فقد بدأ بفتوى أصدرها أبوجعفر الحطّاب، عضو اللجنة الشرعية لأنصار الشريعة فى تونس، (كتيبة عقبة بن نافع)، التى لعبت دورًا بارزًا فى عمليات التجنيد النسائى، وبالأخص فى الجانب السعودى.
وعن هذه الفتوى تقول «هدى صالح»، إن الحطّاب أوجب على النساء، فى فتواه التى بثها فى إصدار «أحكام الهجرة والجهاد عند المرأة»، الهجرة والنفير مما وصفه ببلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، حتى وإن كانت بلا محرم، كما ساوى النساء المقاتلات بالرجال بتأكيد نصيبهن من أسهم الغنائم.
الداعشيات
«ألا تحبى يا غالية أن تكونى فى يوم من الأيام خلف صفوف المجاهدين، تردى ضربات أعداء الدين وتطلقى وتقتلى وتثخنى فيهم، إن كان نعم، فهل ستتعبين فى أول تدريب وتقولى آه آه عذرًا لا أستطيع أن أكمل، التدريبات شاقة.. كلنا يعلم يا غالية أنك لو جريت ولو لمدة قصيرة، ولكن بعد فترة انقطاع طويلة ستتعبين جدًا.. لذا فاجعلى لك نصف ساعة فى اليوم، تخرجى فيها إلى الحوش أو السطح تمشى قليلًا ثم تهرولين.. وتعودين نفسك، وكل يوم تزيدين المسافة لتعتادى وتكونى جاهزة، يستبشر بك أخواتك وتكونى سيفًا مسلولًا كأم عمارة رضى الله عنها».
بهذا الخطاب يتوجه داعش إلكترونيًا إلى النساء، كاشفًا عن حجم التغيير الذى أدخله التنظيم على الأدبيات الجهادية فيما يتعلق بالمرأة، إذ أنه يدفع النساء دفعًا إلى أرض معاركه، وإعدادهن ليصبحن جزءًا من «ذئابه المنفردة»، ومن ثم لا يترفع عن منادتهن بـ«الغالية»، و«اخيتى الدين» تدليلًا لهن، ودفعهن إلى ما يرغب فيه التنظيم، والرسالة، التى أوردنا بعض سطورها، بثتها قناة «كلية الحرب» عبر التليجرام، وهى قناة تابعة للتنظيم تنشر دروسًا عن إعداد المتفجرات وتدريب «الذئبات المنفردات»، وهو ما تكشف من خلال قيام بعض الداعشيات بعمليات فردية، مثل داعشية كاليفورنيا، تاشفين مالك وزوجها اللذين قتلا ١٤ أمريكيا بصورة عشوائية فى أحد شوارع كاليفورنيا، ديسمبر من العام الماضى، كما يكشف أن داعش يخطط لإعداد جيش من المقاتلات النساء.
وفى الرسالة التى بثتها قناة «كلية الحرب»، دعت النساء إلى مشاهدة الفيديوهات التى يبثونها لتعليم استخدام السلاح وصناعة المتفجرات: «اخيتى الدين شاهدى، إن استطعت، بعض المقاطع فى استخدام السلاح لتتكون عندك فكرة طيبة لا بأس بها تفيدك فى ساحات القتال وليسهل عليك التدريب على استخدام السلاح، حتى إذا ما وصلت إلى أرض النفير تنشطن فى التدريبات وتنطلقن خلف إخوانك وتجاهدى».
النسخة الجديدة من الإرهابيات اللاتى يعدهن داعش، لا يقتصر دورهن على المشاركة فى ساحة القتال، بل احتللن مساحة التنظيم، فى جانب لا يقل أهمية عن القتال، ألا وهو «الشرعى»، فالتنظيم أعد جيلًا من «المنظرات الجدد»، لم يكتفين بدراسة المواد الشرعية وحضور الدورات التى يقدمها التنظيم، بل يشاركن بأنفسهن فى إعداد تلك المادة، لاستقطاب غيرهن من الرجال والنساء، وهو ما لم يكن ليتحقق لو أن التنظيم لا يتيح حالة من «السيولة الشرعية»، إذ بدأ يدعوا الجميع لأن يصبحوا طلاب علم، إلى جانب كونهم مقاتلين، فالمراكز الإعلامية لداعش ومئات القنوات على التليجرام، والمراكز البحثية - مثل مكتب البحوث والدراسات، ومكتبة الهمة - التى أخرجت العديد من الكتب لنساء، ودشنت العديد من القنوات تنشر لهن وعنهن، ومن أبرزها «مؤسسة حفيدات عائشة» و«سرية حفيدات عائشة».
وامتد التوظيف الداعشى للنساء فى العمل الشرطى، فالجماعات التى ترفض عمل المرأة وتصفه بالجاهلية والسفور، سمحت لهن بالخروج وارتداء البنطال مع النقاب للعمل فى الجهاز الذى أسسوه كجزء من جهاز الحسبة، فى كتيبة الخنساء «الحسبة النسائية»، ويقدر عددهن بنحو ٤٠٠ سيدة، كن يتمركزن فى البداية بالرقة، فى سوريا، وبتن يتوزعن فى أماكن عدة، وتمحور دورهن على ضبط مخالفات النساء، بالإضافة إلى توفير الزوجات للمقاتلين، وتلقى الدورات التدريبية على حمل السلاح وتنفيذ العمليات الانتحارية، ومن أبرز الأسماء فى ذلك الجهاز «أم سليمان العراقية» التى تتولى قيادة الحسبة النسائية فى العراق ومقرها فى الموصل.
وفى مدينة الرقة السورية أسس التنظيم كتيبتين للنساء، الأولى تحمل اسم «الخنساء» والثانية باسم «أم الريحان»، ومهمتهما شرح تعاليم الإسلام للنساء، والقيام بمهمات التفتيش على الحواجز، وتحصل المجندات الداعشيات على راتب شهرى قدره ٢٠٠ دولار، ومن شروط الالتحاق بالكتائب النسائية أن تكون الفتاة عزباء، وألا يقل عمرها عن ١٨ عامًا ولا يزيد على ٢٥ عامًا.
شقراوات أوروبا
من الألغاز الصعبة هو البحث وراء جيل الداعشيات الجدد، «الشقراوات» أو داعشيات أوروبا وأمريكا، اللاتى تركن حياة الترف والحرية، ليكبلن أقدامهن فى سلاسل التنظيم الإرهابى، الأغرب أنهن لم يكن مسلمات من الأساس، ودخلن الإسلام عبر التنظيم، وأعلن البيعة، ثم سافرن إلى أرض «الخلافة».
وانضم معظم هؤلاء الفتيات للتنظيم عبر الإنترنت، الوسيلة التى استقطب بها داعش غالبية عناصره، وتناولت الصحف تقارير عديدة عن داعشيات أوروبا اللاتى لم يستطعن الاستمرار فى قيود التنظيم، وبعضهن نجح فى الفرار منه، ليتحدثن عما عانين منه، ومن بينهن الفرنسية «صوفيا كاسيكى» التى سافرت، وبصحبتها ابنها ابن الأربع سنوات، ظنًا منها أنها ستذهب إلى «الجنة»، على حد وصفها، لتفاجأ بوحوش على الأرض.
ولقد شغلت تلك القضية الباحثين، الذين حاولوا تفسير الظاهرة، فقال عالم الاجتماع فرهاد كوسروكافار، من معهد EHESS للدراسات الاجتماعية، إن تنظيم داعش استطاع أن يرتفع بنسبة النساء المجاهدات إلى ٢٠٪ وهى نسبة كبيرة جدًا، إذا ما قورنت بقبل عام ٢٠١٣ فى ظل زيادة تمثيل للمرأة القادمة من الدول الغربية. 
وأضاف، فى تصريحات صحفية: «فى السابق كانت النساء المجندات على علاقة مباشرة بمناطق عمل الجماعات الجهادية، اللاتى يسمين بالأرامل السود، وعلى سبيل المثال، كانت المرأة الشيشانية تمارس الكفاح المسلح بعد خسارتها جميع الأقارب من الذكور، بما فى ذلك الزوج، وفى كثير من الأحيان تموت بسبب أنشطتها الإرهابية، وبالمثل، نجد الانتحاريات أو الاستشهاديات من أصل لبنانى وفلسطينى، اللائى يفجرن أنفسهن فى سبيل الوطن ضد الاحتلال الإسرائيلى». ووفقا لمؤسسة ICSR، فمنذ بداية الصراع فى سوريا فى أوائل عام ٢٠١١، يقدر عدد المقاتلين الأجانب بحوالى ٢٠٠٠ إلى ٥٥٠٠. 
وتابع كوسروكافر: «تُعد فرنسا إحدى أهم الدول المصدرة للمجاهدات، حيث يوجد ما يقرب من ١٠٠ إلى ١٥٠ امرأة فرنسية، بعد استبعاد العائدات اللاتى لم يتمكن من العيش فى ظروف الحياة الصعبة فى الدولة الإسلامية».
وأرجع الباحث انضمام الفتيات الأوروبيات إلى داعش إلى الرغبة فى التجديد وفتنتهم بنموذج «المقاتل الهيرو» الذى استطاع التنظيم تصديره عبر تقنياته السينمائية المرتفعة، قائلاً: «هو الملل من رتابة الحياة فى الغرب والسعى للحصول على الإثارة، والسحر للموت فى الشرق مع عاشق إرهابى، وقبل ذلك ممارسة طقوس جديدة فى الحب والجنس، الوضع يحتاج إلى دراسة الظروف النفسية والاجتماعية لهؤلاء الجهاديات».