الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

لماذا يشكك "فودة" في انتصارات الجيش المصري؟ "4"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يترك الإعلامى يسرى فودة شاردة أو واردة إلا وحاول النيل من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ما أعلمه أن فودة ابن من أبناء الطبقة المتوسطة التى وفرت لها الدولة فى ذلك الزمن مجانية التعليم، واستقرار الأسعار، فهو لا ينتمى لأسرة إقطاعية تحتفظ بكراهية خاصة لعبدالناصر.
وحتى الخلاف السياسى لا يمكن أن يصل إلى هذا الحد العنيف من الكراهية العميقة المتجذرة، لا أرى أى سبب وجيه لذكره عبدالناصر قبل وبعد أى فقرة وبين الفواصل، مما يفتح باب التخمين الذى يقودنا إلى محاولته تحطيم صورة ذلك الرجل لدى أجيال جديدة، فبقاء صورة عبدالناصر فى أيدى المصريين بعد أكثر من أربعين عاما تعطى انطباعا بالتمسك بمؤسس الجمهورية الذى يسعى البعض لهدمها باستحضار صور غير حقيقة عن عصر ما قبل الجمهورية.
وفى معرض مقالته المثيرة للجدل على موقع دويتش فيلا الألمانى تحدث فودة عن اقتداء الرئيس السيسى بالرئيس الناصر فى التعامل مع حرية الإعلام، وأن عمله الإعلامى قد ينتهى به إلى زنزانة رطبة وضيقة في معتقل القلعة، والحقيقة أن لكل رئيس حكم مصر– عدا مندوب الجماعة الإرهابية– تجربته الخاصة، ولا تصلح تجربة أىٍ منهم للآخر لاختلاف الظروف والتحديات التى واجهت كلا منهم، فما كان مقبولا وقت الرئيس عبدالناصر لن يقبله شعب قام بثورتين من أجل حريته، وقد كان فودة نفسه فى مصر وجرب بنفسه نقد الرئيس السيسى ولم ينته به الأمر لزنزانة رطبة كما يروج، بل حظى بخروج آمن من البلاد ليعمل فى دويتش فيلا "الإذاعة الألمانية الموجهة للعرب، كإعلامى معارض يريد إيصال صوته بحسب قواعد العمل فى المؤسسة الإعلامية التى تخدم بالأساس توجهات بلادها التى قد تتصادم مع توجهات بلاد المذيع الأصلية، ولا توجد قواعد للتعامل مع هذا التصادم سوى ضمير المذيع ووطنيته.
وهذه ليست التجربة الأولى لفودة، فهو بدا فى البى بى سى الإذاعة الموجهة البريطانية، ثم قناة الجزيرة القناة القطرية التى يوجهها قصر الأمير بنفسه وكلاهما "البى بى سى والجزيرة "يعاديان الدولة المصرية ومؤسساتها القوية وعلى رأسها المؤسسة العسكرية المصرية، وهو أمر تلمحه بسهولة حينما تقرأ أى موضوع متعلق بمصر فيهما.
لا يصنف فودة نفسه على أنه سياسى معارض، بل إعلامى محايد يقف على مسافة متساوية من الجميع، لكن إذا طبقت تلك القاعدة على الرئيس السيسى سنراه على أقصى يساره، فرغم أن العالم اعترف باقتحام السيسى لمعضلة ترسيم الحدود البحرية لمصر والتى عطلت لسنوات طويلة، هاجم فودة بشراسة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وانضم لطابور طويل من المزايدين،  ووصف الاتفاقية بأنها تلميحات خضوع وخنوع مصر للملكة العربية السعودية رغم أنها طبقت القواعد الدولية وخاضعة لرقابة القضاء والبرلمان، وكان واضحا تجاهله العمدى لامتثال الرئيس وأجهزة الدولة لحكم القضاء الإدارى الذى ألغى الاتفاقية، وتأكيد الرئيس نفسه على خضوعه لأحكام القضاء، ورغم علمه لذلك انقض على الدولة والرئيس بعدما وجد فيها سبيلا لاستعاده شعبية وتسجيل هدف فى مرمى الدولة، وهو أمر يتناقض كليا مع الحياد والدقة فى العمل الإعلامى.
وكشف عن سداده لكفالة من تم القبض عليهم من المتظاهرين بدون تصريح اعتراضا على الاتفاقية، وهو أمر يتناقض أيضا مع الحياد المطلوب، ويكشف أنه دور تَعَدى فكرة الإعلامى إلى مهمة أخرى، حاولنا فى هذه المقالات الكشف عن ملامحها الغامضة.
نأتى لاتهام ثانٍ مباشر للرئيس ومبطن لانحياز القوات المسلحة لثورة يناير، فقد اتهم فودة الرئيس السيسى بازدراء ثورة يناير وعدم احترام الدستور، ومرة أخرى يتناسى فودة أن يناير ثورة أهانها أبناؤها والذين سمحوا لكل كاره للدولة باستغلالها ما بين الراديكالية اليمينية واليسارية المتعفنة، لقد تشرذمت يناير وفشل المؤمنون بها في التسويق لها لدى الشعب المصرى الذى لا يزال يعانى من آثارها، وحين أدركوا فشلهم واستشعروا كفر العامة من المصريين بها ذهبوا يعلقون فشلهم على الرئيس السيسى، خاصة في ظل اعتقاد البعض بأن السيسى سيستخدم شعبيته في الانتصار لهم لما فشلوا في تحقيقه، والحقيقة أن يناير بقيت حية تتنفس بفضل الجيش والرئيس السيسى،  فلولاهم لماتت بالسكتة الوطنية بعد فشل تجربة جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية في الحكم.
أما فيما يتعلق بالدستور، فمن يقارن بين الرئيس السيسى والرئيس التركى رجب طيب أردوغان يجد أن الأول تمسك بالدستور، وقيد نفسه بأحكامه، فالرئيس لم يستخدم سلطته التشريعية قبل انتخاب البرلمان لإقرار قوانين الإعلام أو لعزل المجلس الأعلى للصحافة مثلاً.. وحين شكل الحكومة تقدم للبرلمان لحصولها على الثقة وحين وقع اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع السعودية قدمها للبرلمان، وحين صدر حكم من المحكمة بإيقافها أكد أنه يحترمه أما أردوغان الديمقراطى فالعالم يتابعه يدوس على الدستور لمواجهة جماعة كانت شريكته فى يوم من الأيام ولا تستطيع أى قوة إيقافه، بل ويسعى لتعديل الدستور، وإضافة صلاحيات جديدة له حتى يستمر فى حكم تركيا من أى منصب سواء رئيسا للوزراء أو رئيسا للجمهورية.
أما حديث فودة عن تراكم للديون وفشل اقتصادى فهو أمر غريب على رجل يدعى التدقيق، ويمارس الصحافة بالعمق أو الصحافة الاستقصائية، فالأرقام تؤكد على تحسن مضطرد نراه فى معدل الإنفاق على الحماية الاجتماعية حوالى 20%، وأن الدعم دون دعم الطاقة بلغ 36% من إجمالى مصروفات الدولة بقيمة 365 مليار جنيه، وأن تخفيض الدعم الذي يتحدث عنه استهدف شريحة الأغنياء بنسبة 25% من أسعار الخدمات.
ثانيًّا أن حجم المصروفات على برامج العدالة الاجتماعية مثل الإسكان الاجتماعى وبرنامج تكافل وكرامة لحماية الفئات الأكثر فقرا ومعاشات الضمان الاجتماعى قد بلغ أكثر من 120 مليار جنيه لأول مرة في تاريخ مصر.
ثالثًا أن أجور الموظفين زادت من عام 2011 وحتى الآن بنسبة 115% لكل العاملين في الدولة، بينما زادت مصروفات رواتب القضاء والجيش والشرطة بمقدار مليار جنيه فقط آخر خمس سنوات، ويعد ذلك بمعدلات أقل بكثير من باقى العاملين في الدولة.
رابعًا وصفك لمصر "مديونة" استنادا على حجم الدين المحلى يجعل العالم كله مديونا؛ لأن في مصر بلغت نسبة الدين للناتج القومى 95%، بينما في أمريكا بلغت 104%، وبريطانيا 86%، وأسبانيا 99%، وسنغافورة 102%، وإيطاليا 132%، وقطر 55%، والبحرين 64%، وبالتالى فإن سيادتك قد اعتمدت على مؤشرات اقتصادية غير معبرة عن واقع تحسن الاقتصاد أو تعثره.
خامسًا أن مؤشرات اقتصادية إيجابية قد أُغفلت في مقالك عمدا منها زيادة رءوس أموال الشركات المؤسسة للضعف عن عام 2014، وتحقيق الفائض في إنتاج الطاقة الكهربية، وارتفاع التصنيف الائتمانى لمصر إلى مستوى مستقر.
لا أنتظر أو أتوقع من فودة أو غيره تغييرا فى مواقفهم، فهم لديهم مهام محددة تتغير بتغير الأوضاع السياسة فى مصر، ويتقاضون رواتب "مليونية" مقابلها، ولديهم من المرونة الكثير للتغير حسب الأهواء واتجاه الريح، فقد يقترب حينا ويبتعد حينا، لكن تظل أجندته لا تنتمى لمصر أو لمصالحها، بل تنتمى لأجندة صاحب الإذاعة الموجهة أيًّا كان بريطانيا أو قطريا أو ألمانيا، لكن كل ما آمله أن تسمع أجيال جديدة معلومات مخالفة لما يقوله، وأن يتحلوا بالصبر والعقل النقدى المقارن للوصول بأنفسهم للحقيقة، دون الاعتماد عليه كمصدر وحيد، وأن يفتحوا مجالا لأصوات أخرى تكشف "فودة" وأى "فودة" يسعى للتشكيك فى الدولة المصرية وجيشها العظيم، فى ظرف دقيق وحرج من تاريخ وطن غير قابل للسقوط أو التقسيم أو الاختفاء.