نجح تنظيم الدولة الإسلامية في تجميع صفوفه وإعلان دولته في يونيو 2014، وتسمية خليفة لهذه الدولة التي مازالت تطمح في ضم دول جديدة لها من خلال أكثر من خريطة افتراضية أعلنوا عنها منذ إعلان دولتهم تضم أكثر من نصف المنطقة العربية، يعتبرون ذلك تمهيدًا لإعلان تحرير المنطقة كاملة، طموح يصل إلى درجة الاحتلال.
نجاح تنظيم الدولة الإسلامية ارتبط باستمالة بعض التنظيمات الدينية وليس كلها، فهناك من التنظيمات من يرفض المبايعة ويصر على موقفه المعادي لهذه الدولة الزائلة وسلوكها، فالخلافات الأيدلوجية والتنظيمية أعمق من إحصاءها، هذا الخلاف وصل لحد الاقتتال العلني بين هذه الدولة والتنظيمات الدينية الأخرى، والمثال في سوريا بين جبهة النصرة التي أعلنت ولائها لتنظيم قاعدة الجهاد ثم فكت الارتباط فيما بعد، فصار قبل وبعد فك الارتباط خلافات بينها وبين الدولة الإسلامية "داعش".
من أهم صور المواجهة بين هذه التنظيمات ما حدث بين تنظيم الدولة الإسلامية ممثلًا في المتحدث باسمها أبو محمد العدناني وأيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة عبر عدد من المساجلات الصوتية، هاجم الأول شيخه وأستاذه "الظواهري" ووصف تنظيمه بأنه انحرف عن الصواب، بل انحرف عن الدين بأكمله، ووصف "الظواهري" ذاته بأنه شيخ خرف، وهو ما دفع "الظواهري" ذاته للرد عليه "العدناني" ولكنه في النهاية آثر الانسحاب من المساجلات الثنائية.
العجيب في هذه المساجلات التي وصل عمرها ثلاث سنوات ويزيد مع بداية تكوين جبهات القتال في سوريا أن جبهة النصرة أعلنت مؤخرًا انسحابها وفكت ارتباطها مع تنظيم القاعدة، وقامت بتغير أسمها إلى فتح الشام حتى أصبح الخلاف بين القاعدة و الدولة الإسلامية وفتح الشام أكثر عمقًا، محورة الأساسي دعوة فتح الشام كل المقاتلين الذين أتوا من الخارج العودة لديارهم وترك القتال للسوريين، فأغلب فتح الشام سوريين بل كلهم، بخلاف مقاتلي القاعدة و "داعش" فهم أجناس وأعراق مختلفة أتوا من كل حدب وصوب.
نجحت الدولة الإسلامية فيما فشل فيه تنظيم قاعدة الجهاد من قبل بإعلان حالة نفير، واستنفار كان من نتيجته جمع المقاتلين في كافة أنحاء العالم تحت راية وشعار واحد، ولكن هذا النجاح تهدم على أعتاب خلاف أكبر بين هذه الدولة وبين تنظيم القاعدة وتنظيمات أخرى مثل جبهة فتح الشام التي تعمل على أرض سوريا.
قد يكون جزء من خلاف تنظيم قاعدة الجهاد مع الدولة الإسلامية خلاف نفسي له علاقة بأن القاعدة هي من تسيدت العمل الجهادي لسنوات طويلة، وأن "داعش" مجرد فرع منها وأميرها الأول أبو مصعب الزرقاوي تم تكليفة من أميره في التنظيم أسامة بن لادن بفتح جبهات قتال في العراق عام 2004، بعد احتلالها من قبل القوات الأمريكية قبل هذا التاريخ بعام، ازدادت قوة جماعة التوحيد والجهاد والتي مرت بأطوار مختلفة إلا أن تم إعلان قيام الدولة الإسلامية وفك الارتباط نهائيًا بالقاعدة استثمروا فيها وجود القوات الأمريكية تسع سنوات في العراق!، بل وشعر قياداتها فيما بعد أنهم أولى بالمبايعة وأنهم "دولة" بخلاف "القاعدة" التي مازالت تنظيمًا وحدث الصراع فيما بعد.
ولعل سر الخلاف العميق بين جبهة النصر أو فتح الشام والدولة الإسلامية على نفس المنوال، أن هذه الجبهة كانت جزء من "داعش" وتم تكليف أميرها أبو محمد الجولاني بالسفر لسوريا وإنشاء جبهات قتال هناك ضد النظام السوري، فعندما اشتد عود التنظيم الذي يُعد الأول والأقوى هناك أعلن انفصاله فعدته الدولة الإسلامية رده استوجبت القتال وهو ما يحدث في حملات إغارة دائمة بين الطرفين، الخلاف جعل التنظيمين ينشغلان بالاقتتال عن مواجهة نظام بشار الأسد.
الدولة الإسلامية "داعش" ليست ضعيفة من الناحية العسكرية وليس من المصلحة وصفها بالضعف مخالفة للواقع حتى يمكننا مواجهتها، ولكننا في ذات الوقت نرى هذا الضعف في خلافاتها الدائمة مع التنظيمات الدينية، خلافات تصل لدرجة الاقتتال والتحارب قد لا يكون بين مخالفين كثر ولكن تزداد هذه الدائرة مع الوقت وتتعمق هذه الخلافات مع تطرف هذه التنظيمات.
يمكن اللعب على وتر هذه الخلافات وتعميقها بين هذه التنظيمات الجهادية، خاصة وأن دائرة التكفير تطول كل من دعم التنظيم المخالف أو أيده بصورة ما، وقد تنشأ الخلافات بين بعض التنظيمات لمجرد أنها لم تبايع، فحديث هذه التنظيمات دائم عن توحيد صف الجهاد ولكنها عمليًا لا تعرف لذلك سبيلًا، وهو ما يُعد تحالف ذاتي مضاد يواجه هذه التنظيمات وقد يقضي عليها مع الوقت كما حدث مع تنظيمات دينية كثيرة عبر التاريخ.
وقد يكون التحدي الأهم لتنظيم الدولة الإسلامية هو تطرفها اللعين، هذا التطرف يجعل أعدادًا من أتباعها ينسحبون من التنظيم وهناك من ينتقدهم في السر، قد لا يقترب منه الإعلام ولا ينتبه لتفاعلاته ولكنه حتمًا يقضي على التنظيم نهائيًا لأنه بمثابة تحالف ذاتي مضاد لهذه الدولة.