الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

سبنا الحمار ومسكنا في البردعة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فجأة أصبحت شركات الصرافة هى المسئولة عن أزمة الدولار، وعجز الميزانية العامة للدولة، وتدهور ميزان المدفوعات، وعجز الصادرات، وتدهور الزراعة والصناعة وتحويلات المصريين فى الخارج، إذا استمرت تلك النغمة ربما نصحوا على إعلام الدولة وتصريحات المسئولين بأن تلك الشركات هى المسئولة عن هبوط الذوق المصرى وتفشى البطالة والرشوة وحتى أفلام السبكى وحبيشة وعبده موتة.
على ضوء ذلك لماذا لا تقوم الحكومة بخطوة جريئة تغلق فيها شركات الصرافة العميلة وتعيد عصر الازدهار للاقتصاد المصرى.
صحيح أن شركات الصرافة منذ نشأتها بقوانين فاسدة وحكومات أفسد تلعب دورا غير بسيط فى إفساد عمل النظام المصرفى، وتقوم بتمويل كل الأعمال وأنواع التجارة غير المشروعة، لكنها ليست أكثر من بردعة للتغطية على المسئولين غير المؤهلين والفاسدين الذين اخترقوا كل مواقع الإدارة العليا فى الدولة.
منذ أيام قليلة قام البنك المركزى بغلق ٢٣ شركة صرافة، وتواترت أنباء عن مصادرة أكثر من مليار ونصف المليار دولار، وجدتها قوات الأمن فى مخازن تلك الشركات، وهو لا بد معه من تنظيف القطاع المصرفى العام والخاص وإعادة هيكلته والقضاء على الفساد الإدارى داخله.
وبنظرة بسيطة وسريعة على سبب الأزمة المباشر والصريح نجد الآتى: الطلب على الدولار من المستوردين سنويا يبلغ حوالى ٨٠ مليار دولار. والعرض من الدولار يتوفر من خلال خمسة مصادر رئيسية هى: التصدير «حوالى ٢٤ مليارا بعد أن كان من شهور ٣١ مليار دولار» والسياحة «حوالى ٤ مليارات بعد أن كانت قبل يناير ٢٠١١ حوالى ١٥ مليار دولار» وقناة السويس «حوالى ٥ مليارات دولار» وتحويلات المصريين فى الخارج «حوالى ١٩ مليار دولار».. واستثمارات أجنبية جديدة.. ٤.٦ مليار دولار تقريبا. إذن مجموع ما يمكن جمعه من الدولارات هو حوالى ٦٦ مليار دولار معرضة فى ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية إلى النقصان.. ومجموع ما نحتاجه هو ٨٠ مليار دولار تزيد دائما مع زيادة الإقبال على الاستيراد.. والعجز واضح وغير متوفر، حسب ادعاء قيادات القطاع المصرفى سواء البنك المركزى أو البنوك العامة أو الخاصة، وقبل التسليم بصحة ادعاءات تلك القيادات الفاشلة فى إدارة القطاع المصرفى رغم الملايين التى يستولون عليها شهريا نطلعكم على آخر تقرير عن حجم الودائع الذي صدر فى مارس الماضى عن البنك المركزى.
يقول التقرير: ارتفع إجمالى الودائع لدى الجهاز المصرفى فى مصر بخلاف «البنك المركزى المصري» بنحو ٣٤ مليار جنيه، ليصل فى ديسمبر الماضى إلى ١.٩١٤ تريليون جنيه مقابل ١.٨٨٠ تريليون فى نوفمبر السابق له.
وأفاد البنك المركزى المصرى فى أحدث تقرير له، بأن إجمالى الودائع الحكومية بلغ ٢٩٩.٤ مليار جنيه، منها ٢١٣.٧ مليار جنيه ودائع بالعملة المحلية، و٨٥.٦ مليار جنيه ودائع بالعملات الأجنبية.
وأشار التقرير إلى أن إجمالى الودائع غير الحكومية ارتفع خلال ديسمبر الماضى ليصل إلى نحو ١.٦١٥ تريليون جنيه، مقابل ١.٥٨ تريليون جنيه فى الشهر السابق.
ولفت إلى أن إجمالى الودائع غير الحكومية بالعملة المحلية بلغ ١.٣٣٣ تريليون جنيه، واستحوذ قطاع الأعمال العام على نحو ٣٩.١ مليار جنيه منه، وقطاع الأعمال الخاص على ٢٦٠.٨ مليار جنيه، والقطاع العائلى على نحو ١.٠٢ تريليون جنيه.
وأظهر التقرير أن إجمالى الودائع غير الحكومية بالعملات الأجنبية بلغ ٢٨١.٥ مليار جنيه، استحوذ قطاع الأعمال العام على نحو ١٥.٥ مليار جنيه، وقطاع الأعمال الخاص على نحو ٨٧.٤ مليار جنيه، والقطاع العائلى على نحو ١٧٣.٦ مليار جنيه، أما باقى القطاعات الأخرى التى تشمل غير المقيمين والشيكات والحوالات المشتراة فاستحوذت على نحو ٦٧ مليار جنيه.
كل هذه الأموال لم تستخدم فى أى تنمية صناعية أو زراعية أو سياحية، وأما ما تم استخدامه كان فى المضاربة على الأراضى كأى مقاول أو سمسار «عرة»، ناهيك عن عمليات إقراض رجال أعمال بالمليارات يهربون بها أو يعيدون تدويرها فى مشروعات تافهة، وبالطبع لن نتحدث عن الأرقام التى يستولى عليها أصحاب الحظوة من رؤساء البنوك والمديرين والمعاونين وحتى أطقم السكرتارية.
أرقام الودائع اقتربت من ٢ تريليون جنيه غير الودائع الدولارية لو كانت فى يد رجل اسمه طلعت حرب لتغير وجه مصر.
فى عام ١٩١١ قدم طلعت حرب رؤيته الفكرية واجتهاداته النظرية عن كيفية إحداث ثورته الثقافية، وذلك من خلال كتابه «علاج مصر الاقتصادى وإنشاء بنك للمصريين».
وينجح طلعت حرب فى إنشاء البنك عام ١٩٢٠، حيث تم الاحتفال بتأسيسه مساء الجمعة ٧ مايو ١٩٢٠ فى دار الأوبرا السلطانية، وذلك برأسمال ١٨٠ ألف جنيه، وتم تحديد قيمة السهم بأربعة جنيهات مصرية، وفى نهاية عامه الأول ارتفع رأسمال البنك إلى ١٧٥ ألف جنيه، ثم إلى نصف مليون جنيه عام ١٩٢٥، ثم إلى مليون جنيه عام ١٩٣٢، وقد بدأ بنك مصر فى ركن متواضع من شارع الشيخ أبى السباع. 
ظل طلعت حرب يعمل لمدة خمس سنوات لمدة ١٥ ساعة يوميا ودون مقابل، وهى رسالة لكل الأشاوس تبعنا.
وقد قام بنك مصر برسالته الوطنية فى تنمية الودائع، علاوة على أرباحه التى استثمرها فى إنشاء أكثر من عشرين شركة مصرية، ومع تأسيس البنك رفض طلعت حرب رئاسة بنك مصر، وترك المنصب لأحمد مدحت باشا يكن، واكتفى هو بمنصب نائب الرئيس والعضو المنتدب، وقد استدعى الخبير الألمانى فون أنار لوضع النظم الداخلية للبنك، وفى نفس الوقت أرسل بعثات من شباب مصر إلى إنجلترا وسويسرا وألمانيا للتدريب العملى على العمل المصرفى، وقد عاد جميع المصريين ليعملوا فى بنك مصر، وسريعا ما انتقل بنك مصر من مقره المتواضع إلى مقره الحالى فى شارع محمد فريد، وسريعا ما انتشرت فروع البنك لتصل إلى ٣٧ وحدة مصرفية فى عام ١٩٣٨.
استطاع بنك مصر تحفيز الادخار لدى كل المصريين حتى الأطفال بعد أن وزع البنك «حصالات» على تلاميذ المدارس الابتدائية، ثم يأخذ ما فيها ويفتح للأطفال دفاتر توفير بالبنك.
بعد عامين فقط من إنشاء بنك مصر، قام طلعت حرب بإنشاء أول مطبعة مصرية برأسمال قدره خمسة آلاف جنيه، وبعد إنشاء المطبعة توالت الشركات المصرية التى ينشئها البنك مثل شركة مصر للنقل البرى التى قامت بشراء أول حافلات لنقل الركاب، والتى ظهرت فى فيلم «الوردة البيضاء» للموسيقار محمد عبدالوهاب، كما قامت الشركة بشراء الشاحنات الكبيرة لنقل البضائع من الموانئ، كما أنشأ البنك شركة مصر للنقل النهرى، ثم شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، واستقدم طلعت حرب خبراء هذه الصناعة من بلجيكا، وأرسل بعثات العمال والفنيين للتدريب فى الخارج، كما أقام مصنعا لحلج القطن فى بنى سويف، وأنشأ البنك مخازن (شون) لجمع القطن فى كل محافظات مصر.
وتواصلت عطاءات طلعت حرب، فأنشأ شركات مصر للملاحة البحرية، ومصر لأعمال الإسمنت المسلح، ومصر للصباغة، ومصر للمناجم والمحاجر، ومصر لتجارة وتصنيع الزيوت، ومصر للمستحضرات الطبية، ومصر للألبان والتغذية، ومصر للكيماويات، ومصر للفنادق، ومصر للتأمين، كما أنشأ طلعت حرب شركة بيع المصنوعات المصرية لتنافس الشركات الأجنبية بنزايون، صيدناوى وغيرهما. 
وقد سعى طلعت حرب لإنشاء شركة مصرية للطيران إلى أن صدر فى ٢٧ مايو ٣٢ مرسوم ملكى بإنشاء شركة مصر للطيران كأول شركة طيران فى الشرق الأوسط برأسمال ٢٠ ألف جنيه، وبعد عشرة أشهر زاد رأس المال إلى ٧٥ ألف جنيه، وقد بدأت الشركة بطائرتين من طراز دراجون موت ذات المحركين، تسع كل منها لثمانية ركاب، وكان أول خط من القاهرة إلى الإسكندرية ثم مرسى مطروح، وكان الخط الثانى من القاهرة إلى أسوان، وفى عام ١٩٣٤ بدأ أول خط خارجى للشركة من القاهرة إلى القدس.
قام بتأسيس شركة مصر للتمثيل والسينما «ستوديو مصر» لإنتاج أفلام مصرية لفنانين مصريين مثل أم كلثوم، عبدالوهاب وغيرهما، وقد أكد طلعت حرب دائما أهمية السينما وخطورة دورها عندما قال «إن السينما صرح عصرى للتعليم لا غنى لمصر عن استخدامه فى إرشاد سواد الناس». 
وقد أنشئ على يده ستوديو مصر للإنتاج السينمائى فتعتبر نشأة السينما المصرية على يده.
■ ■ ■
وبعد، أين أنتم أيها الفاشلون من طلعت باشا حرب، خير لكم أن ترحلوا ده لو جابو «على كابوريا» لنجح عنكم فى إدارة القطاع المصرفى.