أكبر خطأ يمكن ارتكابه خلال تحليل الحوادث الطائفية، النظر إلى الحادث دون التعمق فى جذوره أو الرجوع إلى أسبابه ومسبباته، فرغم تكرار موضوعاتها التى لا تخرج عن أربعة هى «ارتباط عاطفى» أو «بناء كنيسة» أو «تنصير وأسلمة» أو «سخرية من دين» لم تقم الدولة بالعلاج المطلوب للجذر وتعاملت مع الفرع بالصلح العرفى، وهو أمر زاد من الاحتقان وسهل مهمة التلاعب بالدولة ومن ثم الضغط عليها. ما أقصده بالجذر هو ما ترسخ فى عقلية أجيال جديدة من المصريين تأثروا بأفكار جماعات نشر الجهل والتعصب والكراهية، وتعمقت بداخلهم فتاوى حللت العنف ضد كل من يخالفونهم فى الأفكار والمعتقدات، وتوفر لهم كل سبل التواصل مع المصريين بداية من المدرسة والمسجد والمستشفى وصولا إلى صالات الجيم، بالإضافة إلى تمويل ضخم قادم من خارج وداخل مصر لنشر أفكارهم فى المجتمع المصرى. وتمحورت تلك الأفكار حول ما قاله كل من حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان وسيد قطب منظر العنف الأول فى مصر، فحملت إحدى رسائل البنا مقولة «وجوب قتل أهل الكتاب، وأن الله يضاعف أجر من قاتلهم»، وفى رسالة أخرى أفتى البنا بجواز الاستعانة بغير المسلمين عند الضرورة وفى غير مناصب الولاية العامة. أما قطب فيرى أن «على المسيحيين أداء الجزية والانصياع للنظام الإسلامى العام، وعدم مراجعتهم لمن يختار منهم الإسلام»، ويحذر قطب المسلمين من الشعور برابطة ولاء أو تناصر معهم. ثم يأتى بعدهما الشيخ عبدالله الخطيب مفتى الجماعة الذى يرى أن الإسلام هو الدين ولا دين غير الإسلام، وعن بناء الكنائس أفتى بعدم جواز بنائها فى المدن التى استحدثها المسلمون مثل حلوان والمعادى، أما ما فتحه المسلمون بالقوة مثل الإسكندرية فلا يجوز بناؤها ومنع بناء وإعادة ما هدم منها. لقد صنعت تلك الأفكار وغيرها حالة الكراهية وسممت عقولا كثيرة بالتعصب و«فخخت» محاولات الدولة لفرض التماسك والوحدة على المجتمع، وكانت الدافع وراء حالة الانتقام العنيف التى وصلت إلى هدم وحرق كنائس عقب سقوط حكم الإخوان. وفى المقابل يعمل بعض القساوسة مثل الهارب «مرقص عزيز» على تأجيج الاحتقان وتسخين الأجواء لإنضاج حالة الفتنة وتعطيل محاولة الدولة لمنع تصاعد الأمور ووقف التلاعب بها خارجيا. بقاء تلك الأفكار والتصرفات دون وضع تشريعات تجرمها يضع الدولة على المحك فى مواجهة من يتلاعبون «بالطائفية»، وتطبيق القانون دون النظر إلى ديانة مرتكب الجريمة أو إلى خرائط توزيع القوى القبلية والعشائرية يساهم إلى حد بعيد فى إيصال الرسالة التى تبناها الرئيس السيسى منذ وصوله للسلطة، فالرئيس تحدى أحكام الإخوان وحضر الاحتفال بعيد الميلاد، ووجه القوات المسلحة إلى إصلاح وبناء ما تهدم من كنائس، وإعطاء تصاريح ببناء كنائس جديدة بعدد من المحافظات، وعلى إثر ذلك تعرض لحملة انتقادات شرسة واجهها بشجاعة وثبات وتمسك فى أحاديثه المختلفة برسالة الوحدة وعدم التفرقة بين المصريين على أساس الدين. وعلى مستوى الحقوق السياسية تقدم المرشحون المسيحيون القوائم ووصل لأول مرة ٣٦ نائبًا قبطيًا، وبهذا تصبح نسبة النواب الأقباط فى برلمان ٢٠١٥ هى الأعلى فى تاريخ البرلمان المصرى إلا أن هذه الإنجازات توارت حينما عاد اللعب الخفى للملف الشائك، وظهر التآمر عبر الدور القذر الذى لعبته وسائل التواصل الاجتماعى عبر فيديوهات مفبركة لجلسه عرفية للصلح بين عائلتين، وقدمت للناس على أنها جلسة حل أزمة بنى سويف، بالإضافة إلى فيديوهات أخرى لاعتداءات تمت فى المنيا، وقبلها ما تردد عن تعرية مسنة مما زاد الغضب والاحتقان. ويضع الكاتب الكبير هانى لبيب فى كتابه القيم «الكنيسة المصرية.. توازنات الدين والدولة» روشتة الخروج من الأزمة ولخصها فى التعامل مع التوترات الطائفية كملف سياسى وطنى بالدرجة الأولى وليس كملف أمنى، وترسيخ مفاهيم الدولة المدنية المصرية التى لا يتم خلط الدين فيها بالسياسة أو توظيف أحدهما لصالح تحقيق أهداف خاصة، ودعم منظومة المواطنة المصرية عبر نشر ثقافة الوسطية والاعتدال.
آراء حرة
البنا وقطب يفخخان وحدة الوطن
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق