هناك كاميرا تسمى «عين الصقر» وأيضًا فى المنظور هناك عين الصقر التى ترى منظرا شاملا من أعلى ولا تهتم بالتفاصيل، أو تقترب تمامًا من الأرض وتسمى فى هذه الحالة «عين النملة»، ومن متابعتى لبعض برامج التليفزيون، ولأن لا وقت لدى إلا للتصفح السريع بالريموت كنترول حتى أرى ما يعجبنى أو يسترعى انتباهى أستطيع أن أجزم أن مصر خطت خطوات جبارة وعملاقة فى الديمقراطية.
فمن أجمل الأشياء أن يطلع الإنسان ويسمع ويرى نائبًا يتهم بعض أجهزة الحكومة بالفساد، خاصة فى موضوع القمح وشونه، أيضا الأجمل أن يرد الموظف الحكومى لأن فى هذا الحوار يظهر ظل مصلحة الشعب، وأظن أنه ولأول مرة يستطيع نائب عن الشعب أن يبحث عن الفساد بهذا التدقيق ويستعين هو وبعض النواب بالإدارات الهندسية للجيش للمقاييس والمكاييل، ولأن الجيش سلطة محايدة فبالقطع سيظهر الفساد الذى قال عنه سيادة النائب إنه بالمليارات، وخفف منه المسئول الكبير وقال «هذه أرقام مبالغ فيها»، ولكن ما يهمنى أن عين الصقر إذا رصدت هذا الموضوع فستقول بعيدًا عن التفاصيل «ألف مبروك يا مصر» على هذه الخطوات الجبارة فى الطريق الديمقراطى. أما موضوع النائبة التى تجاوز فى حقها قسم من أقسام البوليس فقد استمعت إليها فقط ولم يكن هناك مسئول يرد، أو رد المسئول بعد أن أغلقت التلفاز وذهبت إلى عملى، وقد أعجبنى ما قالته سيادة النائبة من حتمية اللجوء إلى القانون وليس الجلسات العرفية التى شبعنا منها ولم تؤد إلى أى نتيجة بل أدت إلى زيادة الاحتقان.
أيضًا موضوع تسريب أسئلة الامتحانات الذى عانيت منه شخصيا عندما كنت فى الثانوية العامة وألغى الامتحان بالكامل بعد معاناة مع المذاكرة والجلوس فى لجنة الامتحان والإجابة عن كل الأسئلة، وقد ألغى الامتحان فى آخر مادة، وأستطيع أن أحدثك سنين طوال عن الإحباط بعد أن علمنا أن إعادة الامتحان ستجرى بعد ٣٠ يومًا، ولا أعلم منذ بداية الستينيات وحتى يومنا هذا كيف لم نتقن هذا العمل، وكيف للمسربين أن يستعملوا أحدث التكنولوجيات، وتظل الحكومة على ما فطرت عليه ولا تحدث فى برامج طبع الامتحانات وخلق مجال حول كل لجنة يمنع الاتصالات ويبحث عن وسائل نقل المعلومات بالطريقة اللاسلكية من نظارات وساعات وموبايلات، ويجب على موظفى وزارة التربية والتعليم الاطلاع على النت حيث إن هذه الوسائل تباع بأسعار رخيصة وهذا يكشف عن ضعف الثقافة وعدم مواكبة العصر.
ولا تظن أن اكتشاف ضعف الثقافة وعدم مواكبة العصر مسألة هينة فلا بد أن تعالج ولا بد للمقصر أن يعرف أنه مقصر، وأظن أيضا أن هذا الاكتشاف من أهم خطوات الديمقراطية.
هذا قليل مما رصدته عين الصقر، وأظن أن الصحافة الورقية والصحافة الإلكترونية ومحطات التليفزيون المختلفة أقدر على رصد التفاصيل الدقيقة بعين النملة، لأنها تناقش جميع الأطراف، وعندما يتواجه الأطراف تظهر الحقيقة واضحة، ويكون رصد هذه التفاصيل بمثابة بلاغ للنائب العام (ويسمى فى بعض الدول محامى الشعب). أخيرًا الطريق إلى الديمقراطية طويل، ولكن لأننا نؤمن ببلدنا وجميع مؤسساتها بلا استثناء نرى ضوء فى نهاية النفق تشع منه كلمات مثل «المواطنة»، «الشرف»، «الحرية»، «المساواة».