هللت
جماعة الإخوان المسلمين، لسياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي صاحبت
الانقلاب العسكري في 15 يوليو الماضي، وإذا دققنا في المشهد التركي، ندرك حجم
الفروق والخلافات التي حدثت بين نجم الدين أربكان، رئيس الوزراء الأسبق، ورئيس حزب
الرفاة «إخوان مسلمين»، وبين تلميذه السابق رجب طيب أردوغان، التي يمكن وصفها
بأنها خلافات تمس الشرف والنزاهة، وتدحض في وطنية أحدهما القائل أو المقول في حقه،
وأحدهما الآن بين رحمة الله، في عالم الغيب، والآخر مازال في سدة حكمة بين أحضان
شعبه.
انقلب
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على أستاذه ومعلمه الأول ورئيس حزبه، الذي دخل من
خلاله عالم السياسية، فكان عمدة لمدينة إسطنبول، نجم الدين أربكان، وشكا ذلك مرة
في زيارة، كشف عنها مؤخرًا الداعية الإسلامي محمد فتح الله كولن، وقال،: جاءني
يشتكي «أربكان» مرّ الشكوى، وأسر لي الانقلاب على أستاذه، وتدشين حزب جديد ينافسه،
وأنه سوف يعلن الخروج عليه، مستطردًا: فقد كان دائم الشكوى من «أربكان»، حتى أنه
إذا ما خرج من مكتبي، وعلى بعد أمتار، وهو في المصعد، قال لمرافقه، الذي أسره لـ«كولن»
فيما بعد، إن أول مهمة بعد تدشين حزبي الجديد، بعيدًا عن «أربكان»، هي القضاء على «كولن»
وخدمته، فلم ينقلب على «أربكان» فحسب، وإنما تبع ذلك، بالانقلاب على «كولن» ذاته،
الذي اشتكى له، وإن كان ذلك متأخرًا في العام 2013، ولكنه تحقق، وأصبح ملامحه الآن
ظاهرة!.
رجب طيب
أردوغان، يعيش انقلابات دائمة في حياته، فهو من قال عنه أستاذه «نجم الدين أربكان»
قبل وفاته، وهو ما يُطلق عليه الإخوان المسلمين، مهندس السياسة العالمية، إنه رجل
أمريكا، والـ«CIA» في
المنطقة، كما وصفه «أربكان»، في إحدى مؤتمرات حزب السعادة «إخوان مسلمين»، بعد حل «الرفاة»، وعمد وقتها أردوغان، لتدشين حزب العدالة
والتنمية، بأنه رجل الموساد، بعد أن حصل على وسام شرف من أكبر منظمة يهودية،
فيختصر عقل الإخوان في تركيا «أردوغان»، بأنه تم إعداده لقيام مشروع ما.
إذا
تأملنا المشهد من زاوية، يتأكد لنا صدق «أربكان» في اتهاماته لتلميذه «أردوغان»،
المُسجلة صوت وصورة، وموجودة على ذاكرة شبكة المعلومات الدولية الإنترنت، ويرددها
حزب السعادة، في مناسباته، فقد سبق وقال: «أنا رئيس مشروع الشرق الأوسط الكبير»،
ولا يخفى على القارئ الكريم، إن هذا المشروع قائم على تقسيم وتفتيت المنطقة
العربية.
جماعة
الإخوان المسلمين، مريضة بـ«الشيزوفرينيا»، والانفصام عن الواقع، فعلى الرغم من
اتهامات جماعة الإخوان في تركيا ممثلة في أحزاب «الرفاة» و«الفضيلة» من قبل، ثم «السعادة»، فيما بعد، وعلاقة الحزب السيئة بالرئيس التركي،
وبحزب العدالة والتنمية، من منطلق سياسي وأيدلوجي معًا، إلا أننا نجد جماعة
الإخوان المسلمين في مصر، عبر ممثليها في تركيا، يهللون للسياسة التركية،
ولإجراءات أردوغان، إعجابًا بشخصيته وأداءه وسياساته، وهم غير مدركين أنه سوف
ينقلب عليهم قريبًا، لا بعيدًا، عاجلًا غير آجل، وأنهم مجرد ورقة يضغط بها على
النظام المصري؛ إرضاءً لأمريكا.
«أردوغان»،
ينقلب على كل شيء، حتى على نفسه، فما يعلمه النّاس عنه أقل بكثير مما تحمله شخصيته
الغامضة حتى على أنصاره والمقربين منه، إذ سبق وانقلب على أستاذه الذي علمه
السياسة، وأنشأ حزب العدالة والتنمية، ثم أنقلب على «الخدمة»، التي تحالف معها منذ
العام 2003، وأخيرًا انقلب على نفسه في سياساته التي رسخ لها طيلة السنوات
الماضية، فاعتذر لروسيا بعد إسقاطه لطائرتها، وتصعيده للخلافات معها، ودعا للتطبيع
مع العدو الصهيوني، رغم أحداث سفينة مرمرة «التركية»، وجفاء 7 سنوات تقريبًا، ولعل
ذلك جزء من مشروع تسوية كبير في المنطقة مع إسرائيل، مثلت تركيا فيه رقمًا مهمًا،
وأخيرًا قبول تركيا في انقلاب واضح على سياساتها السابقة، بتسوية سياسية مع الرئيس
السوري بشار الأسد، ونفس الشيء مع النظام المصري بعد خصام وعداء على خلفية 30
يونيه 2013.
الرئيس
التركي صاحب مواقف حادة في السياسة، ولكنه سرعان ما يتراجع عنها، والقريب من
المشهد التركي، يُدرك أنه الشخص الأبرز داخل حزب العدالة والتنمية، والأقوى، وتكاد
تختفي معارضته داخل الحزب عن بقية القيادات الأخرى، مليئة هذه الشخصية بتناقضاتها
في السياسة والأخلاق والدين، فرغم أنه يرفع شعارات إسلامية، إلا أنه يردد في
مناسباته، أنه رئيس علماني، فهو تجسيد للشخصية الميكافيلية التي لا تجد مشكلة في
الوصول لهدفها، مهما كلفها ذلك القفز على المبادئ، وهنا لا نركز على المبادئ في
استخدم السياسة بقدر ما نُعلق على تمسكه بهذه المبادئ التي ينقلب عليها أو
يستخدمها طريقًا لطموحه السياسي.