الثورة في حياة المصريين لحظة استثنائية لا يمكن القياس عليها أو التعويل معها طيلة الوقت، ورغم ذلك نجح الشعب المصري في الانتصار لمبادئه في 23 يوليو عام 1952 والتي تحل ذكراها اليوم، وفي 30 يونيو 2013 والتي خرج فيها المصريين مطالبين بعزل الرئيس محمد مرسي من السلطة قبل ثلاثة أعوام.
التشابه في الثورتين واضح، القوات المسلحة حاضر أساسي في حركة المجتمع المصري سواء قبل أو بعد مبادرته، فقد كانت متناغمة مع مطالب المصريين قبل أكثر من ستين عامًا عندما انتشر الفساد والرشوة وضاعت أحلام العرب في حرب فلسطين عام 1948، فنشئت حركة الضباط الأحرار بقيادة اللواء محمد نجيب والبكباشي جمال عبد الناصر، نفس الشيء حدث في 30 يونيو فحركة الجيش كانت بعد تحرك المواطنين في الميادين ولكنها كانت متناغمة معها خشية الوقوع في أتون حرب أهلية وبات التغيير أمرًا مستحيلًا وزادت الهوة بين القوى المدنية من جانب والإسلامية على رأس السلطة من جانب آخر، وهو ما استلزم من القوات المسلحة التدخل في محاولة لرأب الصدع ولملمة الجراح قبل أن تلوثها التهديدات التي كان يُطلقها أصحابها لتفخيخ مصر.
لم تتولى القوات المسلحة السلطة في 30 يونيو ولم تسعى لذلك وإنما أعلنت منذ اللحظة الأولى خارطة طريق وتعين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسًا مؤقتًا للبلاد لحين إجراء انتخابات رئاسية سبقها وضع دستور جديد للبلاد وتلاها إجراء انتخابات مجلس الشعب، بخلاف ثورة 23 يوليو فقد كانت القوات المسلحة صاحبة الطلقة الأولى في شرارة التمرد على الحكم الملكي وسريعًا ما تحلق المصريون حولها مؤيدين وداعمين لها ولكل القرارات الصادرة عنها، فكانت خير معبر عنهم فأتاحت مجانية التعليم ووضعت نظامًا أكثر عدلًا في توزيع الأراضي الزراعية فانتهى معه عصر الإقطاع وغيرها من الانجازات التي أتاحتها ثورة يوليو.
والعجيب أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تمثل رقمًا في معادلة الثورتين واصطدمت بكلاهما اعتقادًا أنها تمثل قوة التأثير الناعم في الدولة، ولذلك لا تحب أن يُشاركها غيرها هذا التأثير، وخروج الشعب سواء في ثورة يوليو تأييدًا للجيش أو خروجه على الجماعة في يونيو دفع التنظيم للصدام مع الجيش والشعب في كلا الثورتين ولكنها آثرت الصدام مع الجيش، فهي ترى نفسها القوة الوحيد ذات التأثير.
المشهد المصري واحد ولا يمكن فصل تركيبته عن بعضها البعض قبل ست عقود، فالتاريخ يُعيد بعضه بعضًا وذاكرة الشعوب غير قادرة على قراءة الماضي فضلًا عن فهمة وإدراكه ولذلك يتكرر المشهد بكل تفاصيله دون زيادة أو نقصان غير أن الجماعة نجحت في تدشين منصات في الثورة الأخيرة لها خارج الوطن، وصوبت طلقاتها إلى صدره غير عابئة بالتحديات التي تواجهه في الداخل أو الخارج.
تحرك الضباط الأحرار جاء من منطلق وطني صرف في الخمسينات من القرن الماضي فسرعان ما ألتف الجيش حول الحركة وسرعان ما تم ترحيل الملك في اليوم الثالث للحركة وتحديدًا في 26 يوليو دون أي مقاومة تذكر، لأنه حفظ الوطن في قلبه وأراد له خيرًا رغم فساده وهو في منفاه معترفًا بأخطائه، بخلاف جماعة الإخوان المسلمين ومحمد مرسي، فمنذ اللحظة الأولى قال الرئيس المعزول،: إن ثمن الحفاظ على الشرعية "شرعية وجودة على رأس السلطة" حياتي، فأعطى أذنًا بالمواجهة التي مازال صداها يغلي في صدور الإخوان ينتظرون الوقت المناسب للانتقام.
رغم أن الجيش بحركته المباركة في يوليو تحرك لتأمين المناطق الحيوية وأجهزة الدولة، فلم يواجه أو يقاوم من الملك باستقطاب باقي أفرع الجيش ولم يسعى لذلك، ورغم أن القوات المسلحة في ثورة يونيو كانوا جميعًا وكالعادة على قلب رجل واحد إلا أن الجماعة حاولت وبشتى الوسائل استقطاب رجالاته المتماسكين كانوا ومازالوا، وهذا دليلٌ على ذهنية التنظيم التي لا تعي الماضي ولا دروسه كما أنها غير قادرة على قراءة الواقع.
التحديات التي وقع الوطن في شراكها في ثورة الخمسينات تماثل تحديات الوطن وربما يزيد الأمر بعد أكثر من ستين عامًا، فالمنطقة العربية تتعرض لمؤامرة التقسيم وتكالب الأعداء عليها من الخارج دون وجود رجل رشيد قادر على المواجهة، بل تفاجئنا بتواطؤ عجيب إزاء هذه المؤامرة قد يكون بقصد أو بدون ولكنه كان موجودًا وحاضرًا دفع الشعب بأطيافه الخروج للشارع، فما كان من القوات المسلحة إلا أنها انتصرت لإرادة الشعب لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، فكانت مصر بمثابة علامة النصر بين الثورتين.