رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فوضويون هنا ومزورون هناك

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتغنى قطاع كبير من مثقفينا بالديمقراطية في الغرب. والإعلاميون بالمجالات المختلفة، يحلمون بديمقراطية وحرية وتأثير الـCNN والـ BBC وغيرهما من المحطات العالمية والمطبوعات الأكثر شهرة!
لدرجة أن وزير الإعلام الأسبق أنس الفقى طلب من رئيس القنوات المتخصصة عبداللطيف المناوى أن تقومBBC بتدريب كوادر قناة النيل للأخبار من مراسلين ومذيعين وطاقم الإعداد ضمن خطة تطوير قناة النيل للأخبار لمنافسة قناة الجزيرة وبالفعل تم توقيع العقود وتبادل الخبرات والإمكانات.
حتى المهتمون بالإعلام.. سياسيين، وباحثين.. لم تنج دائرة وعيهم من فخ تأثير ومصداقية عدد من المحطات والمطبوعات الأمريكية والغربية.
وبالتالى عشنا - جميعا - ومازلنا نحلم أن يصل إعلامنا بأنواعه إلى تلك الدرجة من النضج والتأثير.
شخصيًا أصبت بالحيرة، بعد التدقيق في أداء وأهداف مثل هذه الجهات الإعلامية الغربية والعالمية ورصد معالجتها لموضوعات عالمية محددة.
الإعلام الغربى سوق للحرب على العراق.. قدم تسهيلات للحكومات والمساندين لتلك الحروب. عن طريق الكلمة.. الصورة.. اللقطات الحية.. الخبراء.. روجوا للحرب.. ودخلوا معارك شرسة مع كل أصحاب العقول التي كانت تطالب بفترة سماح للرئيس العراقى صدام حسين أو حلول غير عسكرية.
الـCNN الأمريكية والتي ينظر إليها خبراء الإعلام في مصر على أنها مصدر للإلهام لعبت دورًا مهمًا في تأجيج الغضب ضد الرئيس العراقى الأسبق، سوقت لوجهة نظر الحكومة الأمريكية.. نشرت صورًا للقتل والتدمير ومعامل السلاح الكيماوى بالعراق وتسابق محرروها ومذيعوها في استضافة ما يساندها في التوجه نحو الحرب.
كلنا شاهدنا تقارير عن الجمرة الخبيثة، وكيف أشاروا إلى أن صدام حسين وراء خطة وصولها للمسئولين الأمريكان.
الملاحظ أن قوة الـCNNوإمكانياتها انحازت لرأى الحكومة الأمريكية.. وأعتقد أن هذه المحطة تحديدًا لعبت دورًا خطيرًا في توجيه مسار الغضب العالمى وبالتالى التمهيد للحرب على العراق.
أذكر أيضًا أن وزير خارجية أمريكا وقتها كولن بأول.. ومندوب أمريكا لدى الأمم المتحدة السيدة كونداليزا رايس في اجتماع مجلس الأمن.. قدما وثائق للأعضاء وشرائط فيديو تتضمن حوارًا بين سائق شاحنة تحمل أسلحة كيماوية ومسئول عراقى، دار الحوار حول أوامر عراقية بنقل تلك الأسلحة من أماكنها المرصودة إلى أماكن أخرى حتى لا تراها أو ترصدها لجان لجنة الطاقة الذرية التي تزور بغداد. نفس السيناريو تحقق في إنجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، حيث دخلت الآلة الإعلامية الأكثر شهرة في العالم في الصراع كطرف لم يعد يعترف بالحياد، بينما كانت بعض الصحف أو المحطات قليلة التأثير تحاول البحث عن حقيقة ما يحدث. «لحد كده» ممكن تقول إن الإعلام الديمقراطى الغربى عمل اللى عليه.. المفروض أنه انحاز للحق والصدق والحقائق- كما هو معروف عنه.. هذا شعورى وقتها.
ماذا حدث بعد ذلك؟
قرأت في الشرق الأوسط اللندنية حوارا للاجئ عراقى إلى ألمانيا عن قصة الشرائط التي استند إليها وزير خارجية ومندوب أمريكا في مجلس الأمن واتضح لى من قراءة الحوار، أن اللاجئ العراقى هو الذي سلم المخابرات الألمانية أولًا الشرائط.. والتي قامت بدورها بتسليمها لأمريكا.
صاحب الشرائط اعترف بتزويره وأن المخابرات الألمانية على علم بذلك..!! وبعد ذلك كانت المخابرات الأمريكية شجاعة عندما أعلنت أن مبررات حرب أمريكا على العراق مزورة، ومنذ أيام أعلنت بريطانيا أن مبررات الحرب على العراق مزورة.
كل ما ذكرته سابقًا يصل بنا إلى نتيجة مفادها أن الإعلام الديمقراطى والذي مازلنا نتغنى بنزاهته ونسعى لنسخ تجربته مزور بدرجة امتياز.
الغريب أن الحكومات التي شاركت في تدمير العراق، اعترفت واعتذرت ولم تعتذر الـ CNN ولا الـBBC للناس عن موقفهما المزور.
تعالوا نتكلم على المكشوف: الإعلام في كل دول العالم بما فيه العالم الغربى «مدعى الحرية» و«مدعى الدفاع عن الديمقراطية» مجرد أدوات تتحول كمساعدة للحكومات الغربية في وقت الأخطار والحروب لديهم قيما تقول «الدفاع عن الوطن حتى بمبررات مزورة يعد أمرًا مقبولًا».
في مصر أزمات مصطنعة حتى الآن مازلنا نبحث في العلاقة بين البلد والإعلام.. ليس النظام أو الحكومات. ما زال لدينا مصابون بالحساسية المفرطة لمجرد محاولة طرح نقاش حول ما يجب أن تكون عليه علاقة الإعلام بمصالح الوطن، وكل ما تحقق من إنجاز. إعلام بلدى يقاتل حول كل شىء.. ليست هناك ثوابت ولا اتفاق ولا حد أدنى من الرؤية المشتركة لأى موضوع. ولو استمر الحال هكذا.. سيفقد إعلامنا كما يحدث الآن - ثقة الجمهور والحكومة معًا، وسيظل مكتفيًا بالمراقبة دون المساندة أو المساعدة في بناء الدولة، وهو ما يعرضه للانتقاد بعنف من الجميع.
وإعلام بناء الدولة يختلف عن إعلام الثورة.
في بناء الدولة مطلوب إعلام بأفكار ملهمة تساعد على البناء.. والمسئول لحل المشاكل.. وهذا يتطلب دورات تثقيفية للمنظومة بدءًا من المعد والمذيع حتى المخرج.
بينما في إعلام الثورة.. الغضب يكفى والمؤهل ليس شرطًا.
على المهتمين بتلك العملية البدء بوضع الحلول لتغيير الفكرة نفسها، على الأقل استوردوا فكرة الإعلام الديمقراطى المزور المبهر لنا.