قبل الجزء الثالث أقول لقردو من يُهن جيشه ويذبحه لا يتعجب من نهايته، لقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن الجيش المصرى هو الضهر والسند بحق وخير أجناد الأرض ولتذهب التصنيفات إلى الجحيم ولو سجدنا لله شكرا لما كفيناه ووفيناه.
قالوا عن أكتوبر إنها هزمت النظريات والعقائد لدى العسكريين وخبراء الإستراتيجية فى العالم، ودفعت الخبراء المتخصصين شرقا وغربا لإعادة حساباتهم، فقد استطاع الجيش المصرى أن يحطم نظرية الأمن الإسرائيلى والحرب الوقائية على المستوى الإستراتيجى والتكتيكى التعبوى، تغلب على أقوى مانع مائى ودمر أعتى التحصينات والدفاعات، والخطة المفاجئة والخداع كانا أقوى لعبة لجهاز المخابرات المصرى، وقد أكد الخبراء العسكريون على المستوى العالمى أن القتال قد اختلف كثيرا عما حدث ١٩٦٧ حينما جرى العدوان الإسرائيلى الخاطف المفاجئ فقضى بالدمار على سلاح الجو المصرى والطائرات على أرض المطارات. ومن ملاحظات المراقبين الدوليين ما قاله مندوب (يونايتد برس): انسحاب إسرائيل من خط بارليف واحدة من أسوأ النكسات الحربية ولهذا اعترفت إسرائيل بشدة بضغط القوات المصرية الجوية واعتبرت أنها تواجه أياما صعبة وقتالا شرسا ورجالا مدربين. المندوب السوفيتى فى اجتماع مجلس الأمن قال: لا أستطيع البقاء هنا للاستماع إلى عزاء ممثل القتلة وقطاع الطرق فهذه الغارات من قبيل عدوان العصابات. ووصف جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل وموشى ديان وزير خارجيتها بأنهما مجرما حرب وأصدرت حكومته بيانا حمَّلت فيه إسرائيل نتائج عدوانها المتكرر على الدول العربية وأن ما يحدث فى الشرق الأوسط مشين وتقع مسئوليته عليها وعلى الدوائر الرجعية التى تساندها دائما فى أطماعها العدوانية، وأكد موقفه الدائم كصديق للبلاد العربية وإدانته للسياسة التوسعية الإسرائيلية ومطالبته بانسحابها من جميع الأراضى العربية التى احتلتها. وأعلن وزير خارجية الولايات المتحدة أن الموقف متفجر وخطير، قد يفلت الزمام من الأيدى وهدد أنهم سيتخذون موقفا حازما إذا شعروا بأن تصرف الاتحاد السوفيتى فى الشرق الأوسط من شأنه مصادرة المحاولات المبذولة لتخفيف حدة التوتر وهكذا تصاعد الخلاف بين القوتين العظميين. وحتى نعلم جيدا أن أمريكا وقفت بجانب إسرائيل بأقصى قوتها وفتحت ترسانة أسلحتها وزودتها بالطائرات والدبابات وأجهزة التشويش والصواريخ المتطورة لدرجة أن فى يوم ١٢ أكتوبر وحده أرسلت ١٠ طائرات طراز سى١٢٠ بمساعدات بحوالى ١٢٠ مليون دولار ويوم ١٣ أكتوبر وصلت ٣ طائرات عملاقة تحمل معونات لإسرائيل (صحيح البيض الممشش بيدحرج على بعضه خسيسة من يومك). المؤرخ العسكرى الأمريكي (تريفور ديبوى) رئيس مؤسسة هيرو للتقييم العلمى للمعارك التاريخية بواشنطن قال: إنه نتيجة للقتال المشرف الذى خاضته الجيوش المصرية والسورية استرد العرب كبرياءهم وثقتهم فى أنفسهم، مما أدى إلى تدعيم النفوذ العربى على الصعيد العالمى بشكل عام فليس هناك شك من الوجهة الإستراتيجية والسياسية فى أن مصر قد كسبت الحرب، وأن كفاءة الاحتراف فى التخطيط والأداء الذى تمت به عملية العبور لم تكن ممكنة لأى جيش آخر فى العالم أن يفعل ما هو أفضل منها ولقد كانت نتيجة العمل الدقيق من جانب أركان الحرب وعلى الأخص عنصر المفاجأة التى تم تحقيقها هو ذلك النجاح الملحوظ فى عبور قناة السويس على جبهة عريضة، لقد فشلت المخابرات الإسرائيلية فشلا ذريعا حيث تركز نشاط المخابرات العسكرية على النوايا المعادية بينما تجاهل القدرات المعادية لأنها لم تكن فى الحسبان وأدى الخطأ فى حساب قدرة الجيش المصرى إلى نظريات خاطئة ويجب إعطاء فضل كبير إلى الأمن المصرى والسرية التى حجبت الحقائق بقدر يكفى لتأكيد المفاهيم الإسرائيلية الخاطئة. لقد خاض المصريون الحرب البحرية فى جوهرها بأسلوب إستراتيجى وخاضها الإسرائيليون بأسلوب تكتيكى وفرض المصريون حصارا ناجحا على حركة الملاحة إلى ميناء إيلات وذلك بإغلاق مضيق باب المندب، ويبدو أن حصارهم فى البحر المتوسط منع معظم السفن المحايدة والإسرائيلية من الاقتراب من الشاطئ الإسرائيلى وفشلت محاولات إسرائيل فى الجبهة الجنوبية لتدمير قواعد الطيران المصرى فى دلتا النيل فشلا ذريعا بفضل فاعلية الدفاع المصرى، وكرر الإسرائيليون محاولة الاستيلاء على مدينة السويس وبالرغم من دباباتهم التى توغلت لقلب المدينة كانت المقاومة عنيفة جدا لدرجة أجبرتهم على الانسحاب بعد أن أصيبوا بخسائر فادحة. الجنرال (فارار هوكلى) مدير تطوير القتال فى الجيش البريطانى قال: إن الدروس المستفادة من حرب أكتوبر تتعلق بالرجال وقدراتهم أكثر مما تتعلق بالآلات التى يقومون بتشغيلها، فالإنجاز الهائل الذى حققه المصريون هو عبقرية ومهارة القادة والضباط الذين تدربوا وقاموا بعملية هجومية جاءت مفاجأة تامة للطرف الآخر رغم أنها تمت تحت بصره، بالإضافة للروح المعنوية الجبارة لدى المقاتل المصرى وجرأة كانت من قبل فى عداد المستحيل. المؤرخ العسكرى البريطانى (آدجار آوبلانس): بالنسبة لإسرائيل حرب أكتوبر أحدثت تغييرا هاما فى إستراتيجيتها إذ قذفت بها بقوة من موقف الهجوم لموقف الدفاع بل إن الأركان العامة الإسرائيلية لم تعبأ بالتفكير فى الوضع الدفاعى لقد أدرك الجندى الإسرائيلى أن الدفاع أصبح ضروريا لبقائه على قيد الحياة فأصبح الدفاع التقليدى الذى طالما كانت إسرائيل تنظر إليه باستعلاء قبل الحرب مع المصريين، وأصبح ضرورة لحماية حدودهم فقد أكثرت وبالغت إسرائيل فى دعايتها عن قوتها وضعف الجندى المصرى إلى أن كانت اللطمة وفوجئت بالجنود المصريين يحطمون القيود ويقهرون الإسرائيليين ويأسرون المئات منهم ويسقطون المئات من طائراتهم ودباباتهم، فقد قضى المصريون على أسطورة السوبرمان الإسرائيلى الذى لا يقهر وتنطبق عليهم مقولة نابليون: إن النسبة بين الروح المعنوية والعتاد الحربى تبلغ ثلاثة إلى واحد، لقد كانت حرب أكتوبر نقطة تحول فى تاريخ المصريين والشرق الأوسط فى المجالين العسكرى والإستراتيجى لن تعود أبدا لما كانت عليه قبل هذه الحرب التى كانت سببا فى إعادة تقييم الإستراتيجيات القومية والدولية. الجنرال الفرنسي (ألبرت ميرجلين): كان كافة الخبراء العسكريين والمسئولين السياسيين واثقين من أن المصريين لن ينجحوا أبدا فى مباغتة الجيش الإسرائيلى وكانت الأدلة لذلك كثيرة ومتنوعة على عكس ما حدث فى أكتوبر فكانت هناك ثقة بالغة فى أجهزة المخابرات الإسرائيلية التى قيل إنها أفضل أجهزة المخابرات فى العالم، وكان معلوما للعالم أن الأجهزة الأمريكية على صلة وثيقة بها، ومناطق الاحتكاك الخطيرة والتى هى مراقبة باستمرار كانت تتميز بأبعادها الصغيرة وكان باستطاعة طائرات الاستطلاع والأقمار الاستطلاعية الأمريكية أن تصور كل العمق فى المناطق المصرية والعربية الخلفية ونادرا ما تجتمع كل هذه الظروف الصالحة لمراقبة جبهات معادية، ولهذا بدا عنصر المباغتة مستحيلًا ومستبعدًا خاصة أن عائقا صناعيا (خط بارليف) من الصعب اجتيازه يحمى الخط الإسرائيلى الأول ويتيح مقاومة سهلة وناجحة، وكانت الصاعقة ٦ أكتوبر ١٩٧٣ وحدث ما كان مستحيلا عكس تأكيدات رجال السياسة والخبراء العسكريين والصحفيين والمتخصصين، لقد خدع المصريون الجميع.
والجزء القادم سنتناول الكتب العالمية التى تحدثت عن الجيش المصرى وقدراته وانتصاراته.
عااااش الجيش المصرى
الجيش المصرى رجال.