فى اليوم التالى لتولى الدكتور مرسى منصب الرئيس التقى المشير طنطاوى الذى أبلغه برغبته فى الاستقالة من منصبه لشعوره بالإجهاد والتعب بعد سنوات طويلة من العمل الشاق، والذى بدأ منذ تخرجه فى الكلية الحربية عام ١٩٥٦ واشتراكه فى صد العدوان الثلاثى، ثم فى حرب الاستنزاف عقب هزيمة ٦٧، ثم فى معركة الكرامة والعبور ٧٣ التى حصل فيها على نوط الشجاعة العسكرية، نتيجة للأعمال البطولية التى قام بها مع أفراد كتيبته، وبعد ذلك امتدت رحلة المشير طنطاوى وتدرجه فى المناصب المختلفة من ملحق عسكرى فى باكستان إلى قائد للجيش الثانى الميدانى، ثم قائد الحرس الجمهورى، ثم توليه منصب وزير الدفاع منذ عام ١٩٩١، ولم يعترض مرسى على طلب المشير طنطاوى، ولكنه دعاه إلى تأجيل هذا الأمر، وأن يستمر فى منصبه لحين إعداد الدستور وإجراء انتخابات مجلس الشعب، وفى نهاية اللقاء سأله مرسى عن الرجل الذى يراه مناسبًا لهذا الموقع، فرشح له اسم اللواء عبدالفتاح السيسى الذى كان مديرا للمخابرات الحربية والاستطلاع، والذى يعرفه مرسى جيدا، حيث التقى به أكثر من مرة فى خضم لقاءات المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالفصائل والأحزاب المختلفة بعد ٢٥ يناير، وكان السيسى مثار احترام وتقدير الجميع لما يملكه من شخصية قيادية وقدرة فائقة على إيجاد الحلول التوافقية بين أناس اتفقوا على ألا يتفقوا على شىء لكى تبقى مصر على حالتها الضبابية التى كانت تعيشها، ولكى يتمكن كل واحد من هؤلاء فى تحقيق حلم الزعامة، ولكن هؤلاء جميعا شهدوا بدور اللواء السيسى فى احتواء الأزمات التى كانت تتولد بينهم أثناء هذه اللقاءات، وعلى خلفية هذه الاجتماعات قال مرسى فى مكتب الإرشاد عن اللواء السيسى «لقد وجدت فيه إنسانا صادقا متدينا، وهذا الرجل لديه رؤية وتفكير عميق». والحقيقة أن شخصية اللواء السيسى قد فرضت نفسها على الجميع برغم أن اسمه لم يكن معروفا لعامة الناس إلا أن ديناميكيته وإدارته للأزمات المتتالية بين أفراد النخبة والأحزاب والفصائل السياسية جعلت اسمه يبرز للمراقبين والمحللين، وقد ظهر ذلك جليا فى حديث للراحل الأستاذ هيكل مع الإعلامية لميس الحديدى حين سألته عن المجلس العسكرى، وعن أعضائه لاسيما الذين برز اسمهم كاللواءات العصار وشاهين والفنجرى، فقال لها: «الذى لفت نظرى من أعضاء المجلس هو اللواء عبدالفتاح السيسى رئيس المخابرات الحربية، ولسوف يظهر اسم هذا الرجل فى الأيام القادمة بقوة، وأتوقع أن يكون له دور مؤثر فى المرحلة المقبلة»، وعود على بدء فقد انتهى لقاء المشير طنطاوى بمرسى الذى صرح للإعلام بأنه يتأنى فى اختيار رئيس الوزراء، لأنه يبحث عن شخصية توافقية، وذهب حمدين صباحى لتهنئته، فكتبت الصحف أنه المرشح لهذا المنصب، ونفس الشىء تكرر مع محمد البرادعى وأيمن نور، وظل الإعلام يطرح أسماء لامعة كمحمد العريان وحازم الببلاوى وعلى السلمى، فالجميع يعرفون استحالة استمرار حكومة الجنزورى، ولا بد للرئيس الجديد من رئيس وزراء جديد ينفذ له مشروع النهضة الذى سوق له الإخوان باعتبارهم أصحاب مشروع ولديهم الإمكانات اللازمة لتحقيقه خلال فترة وجيزة، وهذا ما دعا مرسى للتعهد بحل أربع مشكلات كبرى خلال مائة يوم فقط وإصراره على أنه يستطيع فعل ذلك، ولكن بعد أيام قليلة تم الإعلان عن تكليف الدكتور هشام قنديل وزير الرى بتشكيل الوزارة، ما أصاب الرأى العام بحالة من الذهول والدهشة، فلم يكن هذا الاسم مطروحا أو متوقعا، وكان الشعب يطمح فى اختيار شخصية قوية ذات ثقل سياسى وتنتمى لتيار مختلف، تماما مثلما توقع البعض أن يطلب مرسى من الفريق شفيق أن يكون نائبه ليضمن ولاء الـ٤٩٪ الذين انتخبوه، فكيف اختار مرسى قنديل؟ وهل كان لمكتب الإرشاد دوره فى هذا الاختيار؟ والثابت أنه فى يوم السبت ٢١ يوليو تم الإعلان عن اجتماع لمكتب الإرشاد لمناقشة بعض الأمور، ومن بينها الوزارة الجديدة، وصرح هشام الدسوقى عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة للإعلام بأن مشاورات تمت بين الإخوان وبعض الأحزاب السياسية للتشاور حول تشكيل الوزارة الجديدة، وأن الإخوان حريصون على حمل الوزارات الخدمية للمساهمة فى تنفيذ مشروع النهضة، وفى اليوم التالى أعلن عن اسم قنديل الذى كان مديرا لمكتب وزير الرى قبل أن يختاره عصام شرف، ليكون وزيرا للرى فى أول حكومة بعد ٢٥ يناير.. وللحديث بقية.
آراء حرة
"30 يونيو" المقدمات والنهايات (4)
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق