الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مع "عودة" في يوم مولده.. و"الهلالي" في ذكراه العاشرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لمن يريد أن يتعرف على تاريخ مصر الحديثة وثورة يوليو بصورة راقية.. أنصح دومًا بأن يبدأ بقراءة كتابين للكاتب الموسوعى محمد عودة: «ميلاد ثورة»، الصادر عن دار «الجمهورية»، والثانى الذى يعتبر تكملة له: «الوعى المفقود»، الصادر عن «دار القاهرة للثقافة العربية».. وقد كتب عودة على غلاف الكتاب الثانى مما أصفه بهذه «الثنائية» الرائعة، بأنه: «ليس هذا الكتاب ردًا على توفيق الحكيم.. ولا تحيزًا لجمال عبد الناصر.. ولكنه دفاع عن الشرف السياسى والثقافى لمصر»، كما صدر أستاذنا عودة هذا الكتاب بالسطور التالية عن واقعة لها أهميتها ودلالتها: «قال الموسيقار الشاب للمايسترو الكبير: «بالنسبة لتوسكانينى الفنان فإننى أحنى رأسى.. وبالنسبة لتوسكانينى الإنسان... وخلع حذاءه وانهال عليه».
وقد أعقب محمد عودة كتاب «الوعى المفقود» بكتابين يرد فى أوليهما على تقولات ومغالطات لأستاذ الفلسفة البارز، د. فؤاد زكريا، ضد ثورة يوليو، وهو كتاب: «الجهل بالماركسية والافتراء على الناصرية»، ويرد فى ثانيهما، وهو بعنوان: «الباشا والثورة»، على التطاول والهجوم الحانق ضد ثورة يوليو لفؤاد سراج الدين، الممثل البارز للجناح الإقطاعى فى حزب الوفد فى فترة ما قبل قيام ثورة يوليو ١٩٥٢.
وعندنا أن هذه الكتب الأربعة، بالإضافة إلى كتاب محمد عودة المشترك مع الكاتب اللامع عبد الله إمام، بعنوان: «النكسة من المسئول؟».. تمثل ما يمكن تسميته بـ«موسوعة عودة عن ثورة يوليو»، مثل مجموعة كتبه التى تمثل: «موسوعة عودة عن الثورة العرابية»، ومجموعة أخرى من الكتب تمثل: «موسوعة عودة عن الثورات العالمية والعربية».. إذ إن له كتب فريدة لا مثيل لها، فى عمقها ودقتها، وبساطة وجمال التعبير فى آن واحد.. عن التغيير الثورى التاريخى الكبير، فى الصين كتابه الأول «الثورة الصينية»، الذى صدر فى الخمسينيات، وكان حدث وحديث حياتنا الثقافية، وفى الهند بعنوان: «رحلة فى قلب نهرو»، كما كانت له، عربيا، كتب ودراسات مثل: «ثورة العراق».. و«الطريق إلى صنعاء»، وغيرهما. والطريف أننى كنت أرجو الأستاذ عودة كثيرًا أن يقدم الجزء الثانى من «ميلاد ثورة»، الذى توجد إشارة فى نهاية الكتاب إلى أنه سيصدر، حيث يتناول «ميلاد ثورة» كل التاريخ المصرى الحديث فى أحقاب ما قبل ثورة يوليو، ويتوقف عند مرحلة حرب السويس ١٩٥٦.. وقد كنت ألح، وأكرر له التذكرة بذلك، وبأننا ما زلنا نأمل وفى انتظار الجزء الثانى من «ميلاد ثورة»!!.. هكذا، حتى سمعته فى مرة يقول، فى شجن وصدق آسرين وسط كوكبة صحبة، وحيث كان عودة باستمرار وسط الأصدقاء والأحبة والمريدين: «أنا نفسى أكتبه عشان خاطر محمد بدر الدين».. فقلت له متأثرًا: «لا تتعب نفسك.. ولن ألح عليك بعد ذلك.. بل إننى سأعتبر من الآن: أن «الوعى المفقود».. هو هذا الجزء الثانى.. المفقود!!»، فضحك وسر.. ومن يومها أقول ذلك.. إنها «ثنائية»، لأنها فعلًا وحقًا ثنائية.. وإرضاء له، وكما وعدته... رضى الله عنه هذا القديس النبيل الجميل.
يبقى أنه: لا يوجد كتاب يجب أن يدرس دومًا لطلاب مدارسنا.. أكثر من كتاب: «ميلاد ثورة»، ولا توجد كتب يجب أن يعاد طبعها مثل كل كتب عودة.. وهى جديرة بالحضور دومًا، ومع ذلك فقد نفدت، ومن يبحث عنها لا يجدها، كما أن هناك ضمن أجيال جديدة ما قد يسمع عنها خير ولا يعرف عنها شيء.. إنها كتب لأستاذ الأجيال، المبدع والمناضل الثورى، أرقى ما يكون كإنسان، وأروع ما يكون كمفكر موسوعى ومؤرخ ومثقف عضوى.. اسمه: «المعلم محمد عودة».
الهلالى.. و«شخصيات عابرة للتيارات»:
تحية خالصة جميلة من القلب لروح ونبل «نبيل الهلالى»، فى ذكراه العاشرة:
محام ومفكر ومناضل، من عمالقة الحركة الوطنية المصرية فى القرن العشرين، من أهل التوجه اليسارى ومحب من القلب لكل الناس، والده باشا من علية القوم: «نجيب الهلالى» آخر رئيس وزراء لمصر قبل ثورة يوليو ١٩٥٢، وقد ضحى بكل الأبهة والمزايا الطبقية لآخر يوم فى حياته.. نعم: محب «من قلبه الاشتراكي» لكل الناس. شرفت حقًا بمعرفته شخصيًا وعن قرب، وقد رأيته مصادفة ذات ظهيرة، يركب عربة «ميكروباص» قرب مسجد الفتح بميدان رمسيس، وحيث كان يرفض امتلاك سيارة والتملك عمومًا.. حقًا هو صادق آسر، وقد ظل عبر المراحل والعهود، مهما اشتد الزيف والتدجيل، من بين الذين يعطون الأمل، ويشار إليهم بالقول: أجل.. الخير سيظل فى أمتنا، والصدق والنقاء والنبل.. والمحبة للناس، والتفانى من أجل حياة كريمة لهم، وهذه قمة الرومانسية الثورية.. هذه هى الثورية الحقة.
والمناضل محامى الشعب نبيل الهلالى مثله مثل معلمنا محمد عودة، ومثل رموز قليلة معدودة: على الرغم من أنهم فى قلب وصدارة تيارات سياسية معينة وتوجهات فكرية محددة، إلا أنهم شخصيات يمكن أن نسميها عابرة للتيارات والحركات السياسية والأحزاب، لأنها تعبر عن كل الشعب وقطعة من ضميره. نعم: نبيل الهلالى اسم على مسمى لأنه نبيل فعلاً، ومن الخالدين بقدر نبله وصدقه وإخلاصه بلا حدود من أجل الوطن والإنسان.والحق أن تعبير: «شخصيات عابرة للتيارات» أول من ألهمنى به اسم وسمات نبيل الهلالى واسم محمد عودة بالذات، وقسمات شخصية كل منهما التى كنا نجتمع حولها ونصادقها، ونحن من مختلف التيارات الوطنية على تنوعها، لكننا لم نكن نشعر بغربة قط، بل بقلب يسع الكل، بصدق لا حدود له وود لا مثيل له، رغم «ناصرية عودة» و«ماركسية الهلالى»، وهذه حالة نادرة المثال بالفعل، ولذلك فإنه ترجع هذه التسمية، والإحساس بهذا التوصيف، لهذين الرائعين النبيلين على الخصوص.