على الرغم من جميع التحليلات السياسية من الخبراء والمشتغلين بالسياسة عن أحداث الجمعة فى تركيا، والتى يذهب أغلبها إلى أن ما حدث كان مسرحية من «أردوغان»، حتى يتخلص من معارضيه ويعدل الدستور بما يهوى ويرضي، أى أن الانقلاب لم يكن حقيقيًا أو أن «أردوغان» مرره ليستفيد منه.. وهو كلام بالطبع يبدو منطقيًا للسياق الذى جرت به الأحداث، خاصة أنه فى اليوم السابق على الانقلاب أى يوم «الخميس» قامت «فرنسا» بإغلاق جميع مكاتب بعثتها الدبلوماسية فى «تركيا» لدواعٍ أمنية كما أعلنت، وكان مقررا أن تحتفل سفارتها هناك وبعثتها باليوم الوطنى الفرنسى، كما هو الحال فى كل البلدان التى توجد لفرنسا بعثات دبلوماسية فيها.. وفى اليوم التالى مباشرة، وهو يوم الجمعة كان الانقلاب الغامض فى تركيا، أى انه ربما كانت مخابرات بعض الدول على علم مسبق بما حدث.. فإن ما حدث فى تركيا محل شك وغموض وما زال غير مفهوم، وقد تحمل الأيام القادمة تفسيرًا أكثر دقة لما حدث.
وبعيدًا عن تحليل أحداث الجمعة، وإذا كانت محاولة انقلابية حقيقية أو مسرحية فى تركيا.. هناك أمر شديد الأهمية يدعو للنظر والتأمل، وهو ما حدث للانقلابيين من الجيش على يد بعض فئات الشعب، والذى يبدو من الصور المنشورة أنهم الإخوان أو من ينتمون للتيارات الإسلامية، الصور بشعة يظهر فيها الناس وهم يقومون بضرب وتعذيب وإذلال رجال الجيش، وصور أخرى تكشف ذبح بعضهم وتجريده من ملابسه تمامًا.
فى الحقيقة هو أمر لو تعلمون خطير.. ويفسر ما يحمله هؤلاء من أفكار ليس لها علاقة بالوطنية والحفاظ على الأرض وجيش الدولة الذى هو عمودها الأساسي، فإن التيارات الإسلامية غير عنفها الشديد، فإن ما يحدث هناك يكشف ما تضمره للجيوش بصفة عامة من كراهية وسوء نية، لأنهم لا يعرفون سوى الميليشيات والجماعات المسلحة وفكرة وجود جيش هى أكثر ما يبغضه هؤلاء، بل إنهم دائمًا يعملون على تفكيك الجيوش مثلما حدث ويحدث فى سوريا والعراق على سبيل المثال، لأن الجيش هو عمود الدولة وحصنها المتين، وهو الرادع الحقيقى لكل من تسول له نفسه الطمع فى دولة ما وسلبها أراضيها وخيراتها، وبالنسبة للإخوان وغيرهم من التيارات الإسلامية والإرهابية التى خرجت من تحت رايتهم، فإنه لا وجود للوطن بمعناه الحقيقى عندهم، لا وجود للمؤسسات فهم جماعات لا تعمل غير لمصالحها فقط على أى أرض، وفى أى مكان يحقق لهم المطامع والمصالح، ولذلك فإن هدفهم هو تفكيك الجيش، ومن ثم تفكيك الوطن كله ليصبح عبارة عن قطاعات تتحكم فيها ميليشيا مسلحة.
لا أتصور أن يحدث ذلك لجيش أى دولة.. لأنه يعنى أن هذه الدولة فى طريقها للانهيار الكامل آجلًا أو عاجلًا، وهذا يدعو أى عدو للتجرؤ عليها والطمع فيها، طالما أن جيشها يذبح فى الشوارع بأيدى شعبها، أو حتى مجموعة من الشعب فى صمت من الجميع، وفى صمت من باقى رجال الجيش والمؤسسة العسكرية.. ومن المفترض أن يكون استفزازا لكل شخص وطنى ومصلحة بلده بالنسبة له هى العليا. وبالنظر إلى ما يحدث فى تركيا حاليًا، نجد أن فى مصر شعبًا عظيمًا وجيشًا عظيمًا أيضًا، ومن المستحيل أن تجد الشعب المصرى الذى يرفع دومًا شعار «الجيش والشعب إيد واحدة» خلال الثورات، يرضى أن يمس جيشه بسوء، كما أن الجيش أيضًا فى كل مرة ثار فيها الشعب، كان انحيازه الأول لإرادة هذا الشعب، حدث ذلك فى ثورة يناير ثم فى ٣٠ يونيو، لم ينتصر الجيش للسلطة أو النظام، بل على العكس انتصر للمصريين، وقد بات واضحًا للجميع أنه لولا انحياز الجيش للشعب، وخاصة فى ٣٠ يونيو لأصبحت مصر فى حال شديد البؤس والسوء، وكان الإخوان معتصمين فى ميداني رابعة العدوية والنهضة فى ذلك الحين، وقد كانوا ميليشيات مسلحة على مرأى ومسمع من الجميع، فعلوا فى الشعب نفس الشيء من ضرب وقتل وتعذيب مثلما حدث فى واقعة «قصر الاتحادية» فى ديسمبر ٢٠١٢ بالضبط، ولكن بشكل اكثر اتساعًا ليشمل الجميع، وكانت مصر ستشهد حربًا أهلية شرسة، لأن قطاعًا كبيرًا من الشعب المصرى بالفعل كان يكره حكم الإخوان، ويتمنى زواله، والدليل هو الملايين التى خرجت فى ٣٠ يونيو تقول «ارحل» لمرسي، كانت ستعود للشارع مرات ومرات إذا استمر الإخوان وفشلت الثورة، وكان الإخوان طبعًا وهم فى الشارع بالفعل معتصمون، وقد زادت قوتهم، سيطيحون فى الناس وبعدها ربما كما حدث فى الدول الأخرى كان سيعقب ذلك انشقاقات فى الجيش والشرطة ولأن مصر أكبر، وتعداد شعبها أكثر كان الحال سيكون أسوأ من «سوريا» بكثير.. الحفاظ على تماسك الجيش ومؤسسات الدولة من التفكك كان دائما هدفًا للمصريين رغم غضبهم تجاه أى نظام وثورتهم عليه.. وهو ما جعل المصريين يواجهون ضربات الإرهاب ضد الجيش المصرى، والتى كانت ضربات موجعة تساقط فيها الشهداء فى بعض الأحيان بشعار «الجيش المصرى رجال»، لأنهم يحترمون جيشهم ويقدرونه خير تقدير، ويستندون إليه ويشعرون بالأمان فى تماسكه، ويدعمونه بقوة ويقفون خلفه فى كل المعارك.