لا أعلم لماذا لم تكرم الدولة هذه الفنانة العظيمة حتى اليوم؟ والفنان العظيم فى رأيى أن يحافظ على طرفى معادلة، الطرف الأول هو النجاح والطرف الثانى هو الالتزام بالأخلاق، فإذا نجح فى هذه المعادلة يستحق لقب فنان الشعب.
والناجحون كثر، والنجاح فقط ليس معيارًا للفن ولا للعمق، لأن الفن إذا التزم بالأخلاق، يستطيع أن ينفذ إلى أعمق أعماق الوجدان، ويغير من كيميائية الجسم البشرى والنفس الإنسانية معًا.
وبالعودة لموضوع التكريم فقد يقول قائل: لقد كرمتها الدولة والأوبرا وأنا أقول هذا ليس كافيًا على فنانة وصفها الأديب والشاعر العظيم كامل الشناوى «بالضوء المسموع»، وأصنفها فى وجدانى بأنها مطربة حنجرتها متصلة بقلبها، ووصلت بغنائها إلى استثارة مشاعر جياشة، وقد قلت فى أحد البرامج التليفزيونية إن كوبليه «أنا بعشق السما» فيه كلمتان أنصح الناس بالاستماع الجيد لهما، فقد أدتهما هذه الفنانة العظيمة باقتدار وبحنجرة وقلب جياش بالمشاعر، خلدت الكلمتين فى تاريخ الغناء المصرى وهما «وحبيبة» و«وغريبة»، وأنا أظن أن لا أحد على الكرة الأرضية يستطيع أن يؤديها بهذا الشجن وهذه العاطفة. والفنانون عمومًا يواجهون إحباطات وشائعات ومقالب و«زُنب»، وأظن أن هذا فى كل الدنيا وطبيعة إنسانية، فالناس العادية تحب الناجح وتحتفل بالمشهور وتجلّه، أما الزملاء فحدث ولا حرج، شائعات وحقد ونميمة، ولكن كل هذا يقوى الفنان، وقد تعلمت من هذه الفنانة العظيمة، عدم الرد على كل ما يشاع، على أساس أن الشجرة المحملة بالثمار فقط هى التى تقذف بالحجارة، أما الشجرة نفسها فتظل صامتة وصامدة، وفى مواقف كثيرة جمعت بين الفنانة نجاة والراحل العظيم محمد عبدالوهاب وشخصى الضعيف، كانت تتبارى الثقافة الموسوعية والذكاء غير العادى للأستاذ عبدالوهاب مع العاطفة الجياشة والذكاء الحاد للفنانة نجاة، والصمت المطبق لشخصى الضعيف أمام هاتين القامتين.
ولا أعلم إذا كانت هذه الفنانة حاصلة على جواز سفر دبلوماسى أسوة بسيدة الغناء العربى أم كلثوم أم لا، ولكن أظنها تستحقه كما استحقته أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم، وهم أساس الوحدة العربية، فليست هناك وحدة عربية إلا على حفل أم كلثوم فى أول خميس من كل شهر، أو على حفلة فى الربيع لعبدالحليم حافظ، أو أغنية جديدة للعظيم عبدالوهاب، أو للعظيمة نجاة. من فى العالم العربى لا يحفظ وبالكلمة أغانى مثل «ساكن قصادى» و«أيظن»، وليس هذا مجالًا لسرد نجاحات، ولكن تكريم الفنان فى حياته وبكل الوسائل يزيد من ارتباط الفنانين الشباب بوطنهم، لأنهم يعلمون أنهم إذا اجتهدوا وقدموا الجديد فمصيرهم الشهرة من الشعب والتكريم من الدولة. فهل كان من حظى أن التقى بهذه الفنانة العظيمة فى بعض الأعمال أو كان قدرًا ومكتوبًا، لا أعلم، ولكن ما أعلمه هو أنه فى الوقت الذى لحنت لها هذه الأغانى، كانت هذه الفنانة العظيمة بعيدة النظر وشجاعة فوق الحدود لتقديم لون آخر من الأغانى الرومانسية الذى حفر طريقًا لما سار عليه الفن المصرى إلى يومنا هذا. أتمنى أن يعاد النظر وأن ينظر إلى آخر العظماء نظرة وفاء وعرفان بالجميل الذى تستحقه.