لا يمكن لأحد أن يزايد على الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف، فيما يفعله من محاربة الإخوان والسلفيين لمنع صعودهم إلى منابر المساجد، ولا فى جهوده المتواصلة للتصدى لكل أشكال الإرهاب الفكرى، ولا فى محاولاته لتجديد الخطاب الدينى، فالوزير مخلص لما يعتقد أنه صواب ومطلوب.
لكن هذا لا يمنعنا من الاعتراض وبشكل كامل على مسألة الخطبة الموحدة المكتوبة التى يتم تسليمها لأئمة المساجد، التى يصعدون بها إلى المنابر، ولا يكون لهم إلا أن يلقوها على أسماع المصلين، فليس معقولًا أن يتم إلغاء آلاف الأئمة بجرة قلم، لمجرد تخوفات الوزير أن يخرج بعضهم عن النص الذى يريده.
أعترف أنه ولسنوات طويلة فقدت خطبة الجمعة أى قيمة لها، وأى هدف تسعى لتحقيقه، بعد أن اعتلى المنابر أشباه الأئمة، هؤلاء الذين لا يفقهون من أمرهم ومن أمر المسلمين شيئًا، وأعرف أن فكرة الخطبة الموحدة قديمة جدًا، فهى ليست بدعة جاءنا بها مختار جمعة، الفارق أنه الأكثر شجاعة، كما أن الظرف العام ساعده على تطبيق الفكرة دون أن يجد اعتراضات حادة تعطله أو تصعب عليه الطريق، لكن الأمر يحتاج إلى بعض النظر.
فليس معقولًا أن يسمع المصلون فى الإسكندرية نفس الخطبة التى يسمعها المصلون فى أسوان، وليس منطقيًا أن يتحدث خطيب فى دمياط كما يتحدث زميله فى المنيا، وليس من الطبيعى أن يستمع مواطن فى بورسعيد إلى نفس الكلام الذى يستمع إليه مواطن فى أسيوط.
وإذا أردتم مثلًا واضحًا على ذلك، ففى خطبة الأمس كان يجب أن يركز أئمة بورسعيد على التعصب، وكيف أن الإسلام ينهى عنه تمامًا، كما أن المواطن فى دولة يحكمها القانون ولا بد أن يلتزم به ولا يخرج عليه، وذلك تصديرًا للحالة التى انتابت عددًا كبيرًا من البورسعيديين بعد أزمة مدرب النادى المصرى، حسام حسن، أما فى المنيا فيجب أن يهتم خطباؤها بالحديث عن الوحدة الوطنية، وأدبيات الإسلام فى التعامل مع الأقباط بعد أزمات الفتنة المتتالية التى تشهدها قرى المحافظة، فى الإسكندرية كان يجب أن يشتبك خطباء المساجد مع سلوك السلفيين، حيث تستوطنها الدعوة السلفية، بعد أن سعى نادر بكار إلى لقاء وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبى ليفنى.
ولا مانع من إشارة أئمة المساجد فى كل مكان إلى حدث عام، كحادث نيس الإرهابى الذى يؤكد أن الإرهاب أصبح اللعنة التى تطارد الجميع فى كل مكان، ولا أزمة أيضًا من الإشارة إلى حرمة المال العام فى الإسلام بعد فضيحة القمح التى انفجرت فى وجه الجميع.
الخطبة المكتوبة تعنى تنميطًا مرفوضًا، وتعنى أكثر أن عزلة كبيرة ستفصل الخطباء عن الناس الذين يجلسون أمامهم لأداء الصلاة، فلماذا يريد وزير الأوقاف أن تزيد الفجوة بين المسلمين ومن يقومون بوعظهم وإرشادهم، ضعوا خطوطًا عريضة لخطب الجمعة، واتركوا الأئمة يعالجون ما يظهر فى بيئاتهم، فهذا أصلح للجميع، فالله لا يريد قوالب تخضع، بل يريد قلوبا تخشع.