احتكرت مراكز البحوث الاجتماعية، وحدات قياس الرأى العام وقياس حالتى الرضا والغضب تجاه القضايا المختلفة.
مما يذكر فى هذا السياق أن وزير الاستثمار الأسبق د. محمود محيى الدين أضاف لنا وحدة قياس جديدة للرفاهية، وهى وجود الثلاجة والتليفزيون والتكييف، كمقياس لسعادة المواطن وتحديد درجته الاجتماعية.
الآن ما زال مركز المعلومات بمجلس الوزراء، يساعد من خلال الأرقام المتاحة فى هذا الشأن، وتعد «السيارة» فى مقدمة وحدات قياس العملية برمتها لرصد تغييرات الحالة الاقتصادية التى يعيشها المواطن، والتى يمكن رصدها من خلال إجابات لأسئلة مثل: عندك سيارة؟ أو ماذا عن حالتك المالية؟ أو هل لديك أجهزة منزلية مستوردة أم مصرية؟ كل هذه أدوات يمكن رصدها من خلال شريط الراتب أو فواتير البضاعة المبيعة لدى روابط التجار.. أو بشكل عام من مستندات الوزارات.
الحكاية التى شغلتنى مؤخرا، هى كيف يمكن قياس وتتبع حالة الرضا الداخلى وليس الظاهرى بصورة شبه دقيقة؟ وهذا النوع ـ أى الرضا الداخلى ـ من القيم الإنسانية يحدد خط سير العقل، وبالتالى توقع اتجاه مسار حياة المواطن وتفاعله ورد فعله. الوزارات والهيئات ومراكز الرصد على اختلافها، تحاول بشتى الطرق الوصول إلى المعلومات التى تعطينا صورة ما بخصوص حالة الرضا الداخلى وتطلق عليه «التوقع».. وعدد من تلك الهيئات وظفت أقسامًا تحت عنوان «أمور متوقعة» لتفادى سلوك قد يسبب ضررًا ما. أعتقد أن شريحة الشباب، هى أهم وأخطر شريحة فى مصر الآن، يجب توظيف وتوجيه وحدات قياس «الرضا الداخلى» تجاهها، خاصة أن الدولة تحاول التواصل معهم بكل الطرق، بتقديم الحوافز المختلفة وجذبهم إلى مختلف المجالات، ومن ثم فمعرفة نفسية وعقلية هذه الشريحة أول خطوة عملية للتواصل واحتواء الشباب، فضلًا عن أن هذا القياس سيقدم لنا خريطة واضحة المعالم لكيفية استخدام هذه الطاقة الشبابية المهولة التى نهدرها بسيرنا فى الاتجاه الخاطئ أو إذا أردنا الدقة ببعدنا عن المقاييس العملية والعلمية فى نفس الوقت.
كشف مسلسل الأسطورة أخيرًا، عن جانب أعتقد أنه مهم فى قياس حالة الرضا الداخلى لدى الشباب، وكمثال على ذلك هل تعد حلقة «ذقن» محمد رمضان فى المسلسل، والتى أصبحت موضة، فضلا عن تحول سلوكه وطريقة نطقه للكلمات لوسائل جذبت شريحة واسعة من الشارع، وفى مقدمتهم الشباب - هل تعد هذه الحلقة - دليل غضب لدى الشباب؟ ومن ثم يمكن إدراج الفن والأعمال التى يتفاعل معها الشباب كوحدة لقياس «الرضا الداخلى»؟
فى مسابقة «إبداع» التى أشرفت عليها أخيرا وزارة الشباب وجذبت المبدعين من شباب الجامعات المصرية ومن خلال أنواع مختلفة من الفنون أمكن رصد ملامح ما تحمله الشريحة الشبابية من أفكار غاضبة.
من خلال متابعة ورصد إنتاج طلاب الجامعات يمكن القراءة والاطلاع على حقيقة ما يحتاجه الشباب حاليًا من خلال تحليل النصوص وكلمات الأغانى والمسرحيات وحتى اللوحات الفنية. جيل الشباب غاضب.. وهو أمر معروف لأصحاب القرار، وقد يكون لديهم تبرير أو تعليق.. والحركة الشبابية حتى الآن ما زالت تبحث عن ذاتها بنفسها بعد أن تراجع الاهتمام بعملية التواصل وتضييق المسافات والمساحات مع الجهات الرسمية. فى أزمة امتحانات الثانوية العامة الأخيرة، اختارت الدولة وزارة الداخلية لتولى ملف التعامل مع هؤلاء الغاضبين، وبهذا نحمل الداخلية أمرًا فوق طاقتها، ووجدت الشرطة نفسها تقف فى مواجهة «غضب» و«أمل» و«حلم» هؤلاء الشباب، ونفس الأمر تكرر فى أزمة قانون التظاهر، حيث تراجعت الجهات الأخرى المنوط بها التعامل مع هذا الأمر، وهذا أمر بالغ الخطورة والمطلوب فتح آفاق جديدة تعتمد على العلم من خلال المراكز المتخصصة لذلك.
الحركة الشبابية المصرية الآن ممزقة.. لا أحد يملك رؤية أو خطة برغم محاولات مؤسسة الرئاسة فى ملف اكتشاف المواهب القيادية، وصقلها فيما يعرف بالمشروع الرئاسى لتأهيل الشباب لخدمة الوطن، لكن يظل نجاح أى مشروع من هذا النوع مرتبطًا بالرئيس، وكأن الوزارات والهيئات الأخرى تقف كمتفرج وغير مهتم.
سلامة الحركة الشبابية مسئولية الجميع كل فيما يخصه، ولا يستوى أن يقوم طرف واحد لخدمة هذا القطاع، فالعمل هنا ناقص ولن يؤدى إلى نتيجة، وسيظل فى حدود الشو الإعلامى لصالح الوزير أو المسئول. تمكين الشباب من المناصب عنوان قديم والدفع بهم للصفوف الأعلى منها عنوان أقدم.. فما زال الشباب يعانى.. وما زال غاضبًا، وما زالت أجهزة الدولة تتعامل مع هذا الغضب أو المعاناة بسطحية، وأخشى أن تكون النتيجة مؤلمة. لو عاوزين ينصلح حال الحركة الشبابية أو على الأقل المحافظة على سلامتها يحدث ذلك من خلال خطة، فيها الأدوار واضحة وتعاون أو تكامل بين المسئولين إلى أن يحدث ذلك، سنظل ندور حول أنفسنا فى دائرة مفرغة، وتردد سؤال بدون الحصول على إجابة هو: الشباب غاضب ليه.. إحنا بنعمل إيه؟... ناقم بحكم السن والتكوين.