يا له من محظوظ من يمتلك من الخبرة سنوات، وخبرته ليست فقط فى مجال عمله، بل ممتدة لحياته الشخصية، فتجده حكيما فى كل الأمور وخطواته محسوبة، ويعرف ما يجب أن يفعله فى أغلب الأوقات، ويساعد من حولة بنصائحه المبنية عن خبرة ومعرفة، وتجده فى أوقات كثيرة مبتسمًا داخليًا وخارجيًا، وتوقعاته دائما تصيب الهدف وتتحقق وهذا هو سر سعادته وابتسامته.
الفرق بين عدد سنوات الخبرة وعدد سنوات العمل كبير. فمعظمنا يقع فى خطأ كبير حيث يحسب أن مدة سنوات عمله هى نفس مدة سنوات خبرته.
ولكن لى رأى آخر. فهناك كثير من الناس يعملون أعمالًا تتطلب منهم فعل نفس الشيء يوميا، ويكون من الروتين ما يجعله يستطيع أن ينفذ متطلبات عمله، وهو مغمض العينين لتعوده على كل جزء من ذلك العمل وقد يستمر هذا الحال لسنوات عديدة، وهو ما يطلق عليه سنوات العمل.
أما الخبرة فقد تأتى من خلال بعض المواقف الطارئة التى تضع صاحبها فى مشكلة أو فى ضغط يتولد منه ظهور مهارات تسانده فى تخطى ذلك الطارئ، وغالبا ما يكون ذلك الموقف جديدًا على الشخص، وعندما يتكرر ذلك الموقف أو موقف مشابه بعد فترة، تكون قد تولدت الخبرة من اجتيازه المرة الأولى، وعندها لن يكون الأمر جديدا عليه، بل ستسانده خبرته فى تخطيها بشكل انسيابى أكثر من المرة الأولى لوجود خبرة لديه.
إن أراد الإنسان أن يتعلم، فلا بد أن يواجه، والمواجهة هنا هى المرور على كثير من المواقف وتخطيها لكى يكتسب الخبرة فى شتى نواحى الحياة.
والمواجهة ليست فى معظم الأحيان كما نتمنى وكما تستهوينا أحلامنا، بل العكس صحيح، فهناك ألم لا بد أن نشعر به لاكتساب الخبرة، وهذا الألم هو مصدر قوتنا بعدما نكتسب خبراتنا. لن تقوى عضلات الشباب وتكبر داخل صالات الألعاب الرياضية، إلا بعد الإحساس بالألم يجتاح العضلة المختارة لتمرين اليوم، وكذلك نفسيتنا لن تقوى وتتحمل مصاعب الحياة إلا بعد تمرينها وإحساسنا بالألم الذى يؤدى للشد من الصلابة وقوة التحمل واكتساب الخبرة.
ليس التعليم هو المصدر الوحيد للمعرفة، بل هو أول بوابة نمر من عليها ندخل فى خطوط سير نخطها لأنفسنا، لنصل من خلالها لأهدافنا لنحقق ما نحلم به ونكون أعضاء منتجين وفعّالين داخل مجتمعنا. ﻳﺤﻜﻰ أنّ ﻗﻠﻤﻴﻦ ﻛﺎﻧﺎ ﺻﺪﻳﻘﻴﻦ وﻷﻧّﻬﻤﺎ ﻟﻢ ﻳُﺒﺮﻳﺎ ﻛﺎن ﻟﻬﻤﺎ ﻧﻔﺲ اﻟﻄﻮل.
إلا أنّ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻣﻞّ ﺣﻴﺎة اﻟﺼّﻤﺖ واﻟﺴّﻠﺒﻴّﺔ، ﻓﺘﻘﺪّم ﻣﻦ اﻟﻤﺒﺮاة، وﻃﻠﺐ أن ﺗﺒﺮﻳﻪ، أﻣّﺎ اﻟﻘﻠﻢ اﻵﺧﺮ ﻓﺄﺣﺠﻢ ﺧﻮﻓًﺎ ﻣﻦ اﻷﻟﻢ وﺣﻔﺎﻇًﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻈﻬﺮه.
ﻏﺎب اﻷوّل ﻋﻦ ﺻﺪﻳﻘﻪ ﻣﺪّة ﻣﻦ اﻟﺰّﻣﻦ، ﻋﺎد ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻗﺼﻴﺮًا، وﻟﻜﻨّﻪ أﺻﺒﺢ ﺣﻜﻴﻤﺎً، رآه ﺻﺪﻳﻘﻪ اﻟﺼّﺎﻣﺖ اﻟﻄّﻮﻳﻞ اﻟﺮّﺷﻴﻖ ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺮﻓﻪ، وﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ أن ﻳﺘﺤﺪّث إﻟﻴﻪ. ﻓﺒﺎدره ﺻﺪﻳﻘﻪ اﻟﻤﺒﺮيّ ﺑﺎﻟﺘّﻌﺮﻳﻒ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ، ﺗﻌﺠّﺐ اﻟﻄّﻮﻳﻞ وﺑﺪت ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻼﻣﺎت اﻟﺴّﺨﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﻗﺼﺮ ﺻﺪﻳﻘﻪ. ﻟﻢ ﻳﺄﺑﻪ اﻟﻘﻠﻢ اﻟﻘﺼﻴﺮ ﺑﺴﺨﺮﻳﺔ ﺻﺪﻳﻘﻪ اﻟﻄّﻮﻳﻞ، وﻣﻀﻰ ﻳﺤﺪّﺛﻪ ﻋﻤﺎ ﺗﻌﻠّﻢ ﻓﺘﺮة ﻏﻴﺎﺑﻪ وﻫﻮ ﻳﻜﺘﺐ وﻳﺨﻂّ ﻛﺜﻴﺮًا ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت، وﻳﺘﻌﻠّﻢ ﻛﺜﻴﺮًا ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻢ واﻟﻤﻌﺎرف واﻟﻔﻨﻮن.
اﻧﻬﻤﺮت دﻣﻮع اﻟﻨّﺪم ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻲ ﺻﺪﻳﻘﻪ اﻟﻘﻠﻢ اﻟﻄّﻮﻳﻞ، وﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﻪ إلا أن ﺗﻘﺪّم ﻣﻦ اﻟﻤﺒﺮاة ﻟﺘﺒﺮﻳﻪ، وﻟﻴﻜﺴﺮ ﺣﺎﺟﺰ ﺻﻤﺘﻪ وﺳﻠﺒﻴّﺘﻪ، ﺑﻌﺪ أن ﻋﻠﻢ أن ﻣﻦ أراد أن ﻳﺘﻌﻠّﻢ ﻻ ﺑﺪّ أن ﻳﺘﺄﻟﻢ.