وصل خبر عناد مرسى مع موظفى الرئاسة إلى اللواء مراد موافى، مدير المخابرات العامة، الذى التقى مرسى وحاول جاهدا أن يوضح له أن موظفى الرئاسة على درجة عالية من الكفاءة وعليه - أى مرسى- أن يستفيد من خبرتهم لأن مؤسسة الرئاسة المصرية من أعرق مؤسسات دول العالم فى البروتوكولات والمراسم، وتطرق الحديث إلى الوضع فى سيناء وضرورة أن يظل معبر رفح مغلقا، وهنا أخبر مرسى مدير المخابرات بأنه قد وعد إسماعيل هنية بفتح المعبر، فاعترض موافى على إجراء أى مقابلات أو اتفاقات مع أحد دون وجود لأجهزة الأمن القومى، وبات من الواضح أن الرئيس الجديد يريد أن يعمل بمعزل عن أجهزة الدولة التى يشك فى إخلاصها له، رغم أن اللواء موافى قد أوضح له مرارا وكذلك المشير طنطاوى بأن هذه الأجهزة تعمل لصالح مصر وليس لصالح أى فرد مهما كان، لكنه لم يقتنع أو كان يظهر اقتناعا أمام الناس، فإذا انصرفوا وخلد إلى رجاله ذكر الحقيقة الكامنة داخله، وتمت الموافقة على تعيين أربعمائة شخص من الذين طلب مرسى تعيينهم، بينما أرجأت الموافقة على بقية الأسماء لتعذر وجود درجات وظيفية خالية، ولعدم وجود ميزانية لرواتبهم، وتم تعيين الدكتور ياسر على متحدثا رسميا باسم الرئيس، وهو الذى كان مسئولا عن حملته الانتخابية، وخالد القزاز سكرتيرا للرئيس للعلاقات الخارجية، وبالمناسبة فهو منسق العلاقات الإخوانية الأمريكية، وكذلك باكينام الشرقاوى التى تمكنت فى فترة قصيرة من السيطرة على كل مقاليد الأمور داخل الاتحادية، ودخل محمد بديع المرشد العام للإخوان لأول مرة فى حياته مقر الرئاسة، واستقبله مرسى، وكان بصحبته محمود عزت نائب المرشد، وعصام العريان، ومحمد البلتاجى، وأصر مرسى أن يجلس بديع على كرسى الرئيس، وأخذ يقبل رأسه أكثر من مرة أمام الجميع، واقتصرت المقابلة على الأحاديث الودية، ولم تتطرق إلى أى أمور سياسية، وفى اليوم التالى استقبل مرسى وفدا من السلفيين، وأصر على تناولهم الغداء معه داخل مكاتب الرئاسة، وشهد ذلك اليوم مهزلة كبرى لدرجة أن موظفى الرئاسة انقسموا إلى فريقين، أولهما كان يبكى بشدة على تاريخ مصر وحضارتها وهم يشاهدون ما يحدث، وثانيهما لم يتمالك نفسه من الضحك وهو يرى هذا الكم الهائل من الضيوف الذين يسيرون حفاة على سجاجيد القصر بعدما توضأوا للصلاة ثم افترشوا الأرض ليتناولوا الطعام، ويومها حدثت مشادة بين خالد القزاز سكرتير الرئيس والمسئول عن المطبخ الرئاسى، الذى أخبره بأن ميزانية الطعام فى العام تبلغ ثلاثمائة ألف جنيه فقط، لأن الرئيس مبارك لم يكن أكيلا بطبعه، وكذلك ضيوفه، فقال خالد «طبعا يسرقوا البلد ويعملوا نفسهم شرفاء»، ولك أن تتخيل أن هذه الميزانية فى عام حكم الإخوان قد وصلت إلى ١٤ مليون جنيه، وكشفت الفواتير المرسلة من فندق فيرمونت عن اتخاذه مقرا للتنسيق بين رجال الرئيس الجديد وجماعة الإخوان، حيث شهدت أروقة هذا الفندق لقاءات عديدة بين خيرت الشاطر وحسن مالك والبلتاجى وسعد الحسينى، وبين أحمد عبد العاطى وعصام الحداد وياسر على، واستمر مرسى فى عناده مع أجهزة الدولة، حيث أصدر قرارا جمهوريا فجأة بتكريم اللواء جلال هريدى، ولمن لا يعرف فإن اللواء جلال هريدى هو أحد مؤسسى سلاح الصاعقة المصرى، ولكنه كان أحد دعاة الانقلاب على عبدالناصر أثناء أزمته مع المشير عامر عقب نكسة ٦٧، وتم القبض عليه ومحاكمته، وصدر عليه حكم بالإعدام خففه عبدالناصر بعد ذلك إلى السجن المؤبد، وظل حبيسا حتى أفرج عنه السادات صحيا فى ٧٤، وكان هذا القرار بمثابة رسالة من مرسى والإخوان للجيش المصرى، فالإخوان لم ينسوا الماضى، وتجلى ذلك حين قال مرسى فى إحدى خطبه «الستينيات وما أدراك ما الستينيات» فى إشارة منه إلى ديكتاتورية عبدالناصر الذى يعد العدو التاريخى لهم، وعلى ذلك فيجب تكريم كل من وقف ضده، وها نحن قد جئنا لننتقم، واستقبل مرسى الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء الذى أطلعه على الوضع العام اقتصاديا وأمنيا، ووضع استقالته بين يديه، فطلب مرسى منه أن يمارس عمله حتى يتم الإعلان على رئيس جديد للوزراء.. وللحديث بقية.
آراء حرة
30 يونيو المقدمات والنهايات "3"
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق