نحمد الله أن هذه الزيارة تتم بعد ثورة الشعب المصرى فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وقيامه بانتخاب قيادة وطنية تتولى إدارة شئون البلاد، حيث كان همها من اليوم الأول إعادة العلاقات المصرية الأفريقية إلى مكانتها إبان فترة الستينيات، وتبوء مصر مكانة الريادة بعد الإهمال الشديد من الحكام السابقين، الأمر الذى ترتب عليه تغلغل إسرائيل فى القارة الأفريقية، وإلا كنا متنا كمدا، ولم نحقق تقدما ملحوظا لا بأس منه.
هناك مشاكل صعبة، على رأسها أزمة سد النهضة، ومحاولة الجانب الإثيوبى الاستحواذ على حصة مصر من مياه النيل، والتى تعد مكسبا، لا يجوز المساس به عملا بأحكام الاتفاقيات الدولية.
وتقوم قيادتنا بالتفاوض ملتزمة بالحكمة، وقواعد العقل والمنطق، والمحافظة على ما حققناه من تقدم فى هذا الإطار، وبعيدا عن الرعونة أو الغطرسة، أو كما فعل الرئيس المعزول من خلال مؤتمر الأمن القومى المنعقد بالرئاسة بحضور بعض السياسيين، وتعمد إذاعته على الهواء مباشرة، الأمر الذى جعلنا أضحوكة على مستوى العالم، ولم يساعد فى الحل إنما زاد الأمر تعقيدًا.
وهذه الأزمة فرضت على قيادتنا الوطنية، ولا ذنب لها فى حدوثها إنما آلت إليها، والمؤسف أن هناك أطرافا عربية ودولا شقيقة تساعد إثيوبيا فى هذا، سواء من خلال الدعم المالى، وعلى رأسها قطر أو التآمر علينا باتفاقات جانبية كما يفعل السودان للإضرار بنا. يضاف لكل هذا الدور الإسرائيلى الأساسى، سواء كان دعما ماليا من خلال علاقاتها الجيدة بالمؤسسات الدولية، وأمريكا أو الخبرة، حيث يوجد طابق كامل يقيم فيه الخبراء الإسرائيليون بمبنى وزارة الرى الإثيوبية.
تعمد رئيس الوزراء الإسرائيلى خلال هذه الزيارة استعراض القوة سواء من خلال الموكب المصاحب له أو القوة الأمنية، والمستشفى الميدانى، أو الوفد المرافق له، حيث ضم قرابة ٨٠ رجل أعمال يمثلون حوالى ٥٠ شركة إسرائيلية فى شتى المجالات. لكى يوقعوا العديد من الاتفاقيات فى شتى المجالات. خاصة ما تتميز به الخبرة الإسرائيلية فى الزراعة، والرى، وتحلية المياه أو الاتصالات.
بالإضافة إلى الدعاية من خلال أجهزة الإعلام العالمية التى يسيطر عليه اللوبى الصهيونى أو المحلية، حيث وصفت هذه الزيارة بأنها تاريخية.
وأكد المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلى أن هناك رغبة لتعزيز علاقات إسرائيل مع دول إفريقيا فى شتى المجالات سواء البنية التحتية أو المياه أو الاتصالات أو التجارة أو السياحة أو مكافحة الإرهاب.
أما نتنياهو نفسه فذكر أنه سيدعم إثيوبيا بتكنولوجيا لتستفيد من مواردها المائية، وأراد رئيس الورزاء الإسرائيلى توصيل العديد من الرسائل لنا، وللعالم من خلال هذه الزيارة بتسلسلها «أوغندا - كينيا - رواندا - إثيوبيا».
فزيارته لأوغندا ليحتفل بالذكرى الأربعين لعملية عنتيبى، حيث قامت القوات الإسرائيلية «الكوماندوز» بمحاولة تحرير رهائن إسرائيليين قام باختطافهم الفدائيون الفلسطينيون، وكانت هذه القوات بقيادة شقيق نتنياهو «يوناثان نتيناهو» الذى لقى حتفه فى هذه العملية بعد أن قتلت قواته حوالى ٤٠ جنديا أوغنديا.
واستغل وجوده فى العاصمة الأوغندية، وشارك فى قمة جمعته بتسعة من قادة وممثلى بلدان إفريقية، حيث تم التوقيع على معاهدة لمكافحة الإرهاب، وهذا يساعده على تحقيق الهدف المعلن للزيارة، وهو الحصول على عضو مراقب فى الاتحاد الأفريقى.
أما الأهداف الأخرى غير المعلنة، فأولها السعى إلى تعطيش مصر من خلال سد النهضة الإثيوبى والسدود الأخرى الجارية إقامتها، من أجل إجبار موافقة مصر على توصيل مياه النيل لإسرائيل، وهذا ما كان يريده مؤسس الحركة الصهيونى تيودور هرتزل منذ بداية مفاوضاته عام ١٩٠٣ مع الحكومة البريطانية والمندوب السامى فى مصر اللورد كرومر، ووزير خارجيتها اللورد إرثر بلفور صاحب الوعد المشئوم.
حيث كان الحوار دائرا حول توطين يهود العالم فى شبه جزيرة سيناء تمهيدا للاستيلاء على أرض فلسطين، وذلك باستغلال المياه الجوفية، ثم بعدها مياه نهر النيل، وهذا يفسر شعارهم «من نهر الفرات إلى نهر النيل.. أرضك يا إسرائيل» فى العلم والخريطة المعلقة فى الكنيست الإسرائيلى، كما أن هذه القضية لم تغب عن مؤسس الدولة الصهيونية، حيث تم بحثها عام ١٨٩٧ فى مؤتمر بازل السويسرية حول كيفية تأمين المياه للدولة الصهيونية التى ستقام على أرض فلسطين المغتصبة.
أما الهدف الثانى الأساسى فهو ضرب الأمن القومى العربى، وذلك بالتغلغل فى الدول الأفريقية التى تطل على شاطئ البحر الأحمر بالقرب من باب المندب للحيلولة دون تعرض إسرائيل لحصار بحرى كما حدث إبان حرب أكتوبر ١٩٧٣.
وهذه المهمة لم تغب عن بال القيادة الإسرائيلية منذ قيامها.
فلم يكن بغريب أن يصدر بن جريون تعليماته لموشى ديان بأن يضحى بأى شىء فى سبيل خلق موطئ قدم على ساحل البحر الأحمر، وهذا ما حدث بإقامة ميناء إيلات.
فعلينا ألا نستخف بأمر هذه الزيارة، وعلينا أن نأخذها مأخذ الجد بتحليل كل آثارها، والتصدى للأطماع الصهيونية فى إفريقيا، ووقف كل مخططاتها، ولدينا الرصيد.. حيث لن نبدأ من الصفر، لأن هذه الزيارة عمل طويل بدأ منذ اهتمام إسرائيل بإفريقيا عقب مؤتمر باندوج فى عام ١٩٥٥ الذى انعقد دون توجيه دعوة إلى إسرائيل.
وكانت البداية إقامة سفارة إسرائيلية بأكرا فى عاصمة غانا، بعد حصولها على الاستقلال عام ١٩٥٧، ثم فتح سفارتين أخريين فى كل من مونروفيا وكوناكري، وأعقب ذلك زيارة قامت بها جولدا مائير وزيرة خارجية إسرائيل فى عام ١٩٥٨.
حيث اجتمعت بقيادات كل من ليبريا، وغانا، والسنغال، ونيجيريا، وكوت ديفوار.
وفى البداية كان اهتمام إسرائيل بالدول الأفريقية نتيجة حصول العديد منها على الاستقلال، وعضوية الأمم المتحدة، وأصبحت تتمتع بحق التصويت، فأرادت إسرائيل توثيق العلاقات معها لضمان أصواتها من خلال مناقشات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وعدم صدور إدانات ضدها، خاصة عقب اعتداءاتها على البلدان العربية سواء عام ١٩٥٦ أو فى ١٩٦٧.. إلخ.
وبفضل الجهود الدبلوماسية العربية، وفى القلب منها مصر، وتنامى دور دول بلدان العالم الثالث، وحركة عدم الانحياز، ومنظمة الدول المصدرة للبترول، التى تلعب فيها دورا أساسيا البلاد العربية، والإسلامية، ثم إقناع البلاد الأفريقية بقطع علاقاتها مع إسرائيل خصوصا بعد عدوانها عام ١٩٦٧ أو بعد انتصار ٦ أكتوبر ١٩٧٣.
ولم تنجح إسرائيل فى إعادة العلاقات الدبلوماسية إلا بعد ١٩٩١، وكان نتيجة أسباب عديدة تبعا للتغيرات الدولية، والعربية، والأفريقية، وحينما عادت إسرائيل عادت بكل قوة، معتمدة على الإهمال العربى المصرى لإفريقيا، واستغلت الصراعات فى القرن الأفريقى، ووجود الجاليات اليهودية فى العديد من الدول الأفريقية خاصة إثيوبيا، للخبرة الإسرائيلية سواء فى المخابرات أو الأمن أو التسليح أو الزراعة.
وقامت بإنشاء العديد من مراكز التدريب سواء فى إسرائيل أو فى هذه البلاد، خصوصا فى مجال زراعة الصحراء، والمناطق القاحلة، ونجحت إسرائيل فى احتكار تجاره الألماس فى إفريقيا.
ولسنا مطالبين بعمل فردى من جانب بعض الدول العربية إنما عمل عربى جماعى وموحد من خلال جامعة الدول العربية، وفى القلب منها الدول العربية بقارة إفريقيا، ونأمل فى ألا يستخف الأمين العام لجامعة الدول العربية بالأمر، لأن هذه الزيارة وما يتبعها من حصول إسرائيل على عضوية مراقب بالاتحاد الأفريقى، واللعب بمنابع النيل، وتشجيع إقامة العديد من السدود لدى الدول الأفريقية التى تقع فيها منابع النيل، وضرب الأمن القومى فى مقتل من خلال الوجود على شواطئ البحر الأحمر قرب باب المندب لا يمكن السكوت عليه، ولا تتخيل أى دولة عربية أنها بعيدة أو فى مأمن من هذا الخطر، وتجربة السودان خير دليل، وللأسف الشديد ما زالت قيادتهم تلعب بالنار، وإنا لمنتصرون.