تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
من حق عمرو حمزاوى أن يقف فى الجبهة التى يريدها، من حقه أن يختار الحزب المناسب لأفكاره وميوله ومصالحه، من حقه أن يقول كل ما يريد حتى لو كان ينم عن جهل شديد، فهو وحده المسئول عن جهله... لكن ليس من حقه أن يصدر نفسه لنا معارضا للنظام، يجاهد ضده، لأن ما يفعله يصب فى خانة الهدم والتدمير والخراب، فالتشكيك فيما حدث فى مصر بعد ٣٠ يونيو، يخدم مصالح جماعة إرهابية، لا تزال تعمل على هز الاستقرار و زعزعة الأمن، اعتقادا منها أنها يمكن أن تعود الى السلطة مرة أخرى، وإن كان لا يعرف ذلك، فلابد أن يعيد النظر مرة أخرى فى أفكاره وانحيازاته.
هل علينا عمرو حمزاوى من شاشة تليفزيون العربى، وهو تليفزيون لا يخفى عداءه لمصر، ولا يدخر جهدا فى الوقوف ضدها بكل ما يستطيع، وشئ من هذا مؤكد أن أستاذ العلوم السياسية يعرفه جيدا، وكان عليه ألا يرتكب هذه الحماقة بالحديث الى من يكيدون لمصر ليل نهار، لكن الحياة فى النهاية اختيارات، وكل منا لا يسأل الا عما يفعله فقط.
وصف عمرو حمزاوى ما حدث فى ٣ يوليو بأنه انقلاب، فالذين خرجوا فى ٣٠ يونيو كانوا يطالبون بانتخابات رئاسية مبكرة، وهو ما لم يحدث، لأن ٣ يوليو كان اليوم الذي ضربت فيه العملية الديمقراطية، كما يرى المفكر السياسي الذي يعيش وسط تهويماته التى لا يفهمها الا هو، ولا يتفاعل معها الا من يعتقدون فيه فهما وإدراكا لما يحدث، رغم أنه أبعد ما يكون عن ذلك تماما.
قبل أن نناقش ما قيل، لابد أن نعرف شيئا عمن قال.
لا يتحرك عمرو حمزاوى طول الوقت من أرضية موضوعية، ولكنه مجرد مشروع فردى، لا يعمل الا من أجل مجده الشخصى، وإذا تعارضت المصلحة الوطنية مع طموحه الشخصى، فإنه يعلى من شأن مصلحته الشخصية على كل ما عداها، ولذلك عمل خلال السنوات الأخيرة فى حكم مبارك، ثم الشهور التى أعقبت ثورة يناير، وخلال السنة التى حكم فيها الاخوان مصر.
خلال سنوات مبارك الأخيرة التحق عمرو حمزاوى بأمانة السياسات التى كان يرأسها جمال مبارك، حاول أن يحتل مكاناً ويحظى بمكانة الى جوار من كانوا يعدونه ليكون رئيساً لمصر وسط رفض شعبى عارم، ولم يدخر عمرو جهدا عن تقديم خدماته العملية للأمانة التى كان جمال مبارك يحاول من خلالها أن يكتسب شرعيته.
بعد الثورة وفى حمى الحديث عن قانون العزل السياسي، عرف عمرو أنه كان شريكا لنظام مبارك، ويمكن أن تجور عليه الأيام ويجد نفسه معزولا، وقعت فى يدى وقتها أوراق رسمية من أمانة السياسات، تسجل حضور وانصراف أعضاء لجنة العالم الخارجى، وكان عمرو حمزاوى حاضرا بقوة، يشارك ويتحدث ويقدم الأوراق البحثية.
أنكر عمرو ما نشرته رغم أنه موثق، وسعى إلى أحد أعضاء اللجنة ليحصل منه على ما اعتبره إبراء ذمة، كان يريد أن يثبت أنه كان متعاملا مع الأمانة من الخارج، وأنه مجرد مستشار، ورغم حصوله على هذه الورقة، الا أن الوثائق الدامغة قالت كلمتها.
لم يكن عمرو حمزاوى بعيدا عن الاخوان أبدا، تركوه يحصل على مقعد فى مجلس الشعب، لم يرهقوه فى دائرة مصر الجديدة، فالبراجماتية الإخوانية جعلتهم يتركونه، لأنهم كانوا يعرفون أنهم سيستخدمونه فى الوقت المناسب، وعندما دخل مجلس الشعب رد لهم الجميل، عمل على هواهم وسار على خطاهم، ولم نسمع منه كلمة واحدة تدين ما فعله الإخوان، أو تكشف ما كانوا يسعون إليه.
بعد ثورة يونيو، اختلفت المعايير، تركت الساحة مفتوحة، ولأن عمرو لم يكن الا كائنا طفيليا يتسلق على أكتاف الآخرين، بانت قوته الحقيقية، لم يستطع أن يدخل انتخابات مجلس النواب، كان يعرف أنه لن يستطيع أن يحصل على المقعد بمجهوده الفردى، لم يجد لنفسه مكاناً بمجهوده الخاص، فاختار أن يكون خصما للنظام الذى جاء به الشعب طواعية واختيارا، وبدلا من أن يسخر علمه وما درسه لدفع العربة الى الأمام، تفرغ لبث سمومه، وتشويه الحياة العامة، ولم يقدم فكرة واحدة، يمكن أن تمثل دفعة الى الامام.
هذا عمن قال، أما ما قاله، فيحتاج الى اشتباك جديد.
تجاهل عمرو حمزاوى تماما كل المقدمات التى وصلت بنا الى ٣ يوليو وهو اليوم الذى أعلن فيه وزير الدفاع وقتها عبد الفتاح السيسي عزل محمد مرسى، وحدد خطوات خارطة الطريق، لم يأتِ هذا اليوم من فراغ، وإذا أراد الدقة والأمانة العلمية والسياسية والواقع، فكان عليه أن يقول أن ما حدث فى ٣ يوليو لم يكن الا مكملا لما جرى فى ٣٠ يونيو، عندما نزلت ملايين الشعب الغاضبة.
كل ما فعله السيسي قائد الجيش أنه استجاب لما تريده الملايين الغاضبة، وكان تحديدا عزل محمد مرسى وإخراج جماعة الاخوان من الحكم، ولا أعرف شيئا آخر كان يريده الناس فى هذا اليوم الا ذلك.
سيتحدث حمزاوى عن الانتخابات الرئاسية المبكرة، وساعتها يجب أن يتذكر ما الذى فعله الاخوان بعد ٣ يوليو، لقد أشعلت الجماعة الإرهابية النار فينا، وبدأت العمليات الإرهابية فى التصعيد، واعتصمت الجماعة ومعها حلفاؤها فى رابعة العدوية، فعن أى انتخابات رئاسية مبكرة يتحدث هذا الجاهل الذى يخاصم المنطق والعقل والواقع؟
كان يمكن لانتخابات رئاسية مبكرة أن تجرى على الأرض، لو كانت هذه الارض هادئة وممهدة، لكنها المثالية الكاذبة التى يجيد أمثال عمرو حمزاوى الحديث عنها، دون الوضع فى اعتبارهم ما يجرى على الأرض.
إنها حسبة الجهل التى لا يرى أصحابها الا ما يعتقدون أنه صواب، ولو كان عمرو حمزاوى منصفا، لأدرك أن السياسة التى هى فن الممكن كانت تقتضى أن يحدث ما جرى على الأرض تماما، فليس معقولا أن يتجاهل المعركة التى كانت مصر ولا تزال تخوضها ضد الارهاب، ليحدثنا عن مثاليات فارغة.
إننى أشفق على عمرو حمزاوى ومن على شاكلته، هؤلاء الذين لم يجدوا لهم دورا فى الحياة السياسية المصرية بعد ٣ يوليو، - وأقول ٣ يوليو وليس ٣٠ يونيو لانه كان تمام الثورة - فاختاروا أن يقفوا فى صف معارضة مزعومة، رغم أنها فى حقيقة الأمر ليست الا صفقة مع الشيطان، وأمثال هؤلاء ليس عليهم الا أن ينتظروا مصيرهم فى مزبلة التاريخ.