«أهل الشر».. قد يكون هذا التعبير المسجل باسم الرئيس عبد الفتاح السيسى من أكثر التعبيرات التى وردت فى أحاديثه وخطبه، ودون دراسة رقمية أستطيع التأكيد على أنه لم يخل حديث من أحاديثه الكثيرة منه، فهو يعرف جيدا أنه مستهدف من قوى داخلية وخارجية حاشدة ومتآمرة تحلم وتعمل بدأب وبلا انقطاع من أجل إجهاض مشروع ٣٠ يونيو.
لا يتحدث السيسى عن مشروعات مهمة وحيوية يقوم بها خوفا من أهل الشر، يخفى نشاطه ومباحثاته وجهوده الخارجية قلقا من أهل الشر، يلتزم بالصمت حيال قضايا مهمة وجوهرية تحسبا لتحركات أهل الشر، لا يكشف عن أوراقه فيما يخص قضايا مصيرية حتى لا يمكن أهل الشر من التداخل معه فيها وإفسادها.
قد يكون لدى الرئيس كثير من الحق فيما يفعله أو يقوله، فكل شيخ وله طريقة، لكن وهو يمعن فى الإخفاء حتى لا يمنح أهل الشر الفرصة للانقضاض على ما يفعله، تجاهل تماما أهل الخير، الذين يقفون خلفه، يدعمونه، ويعملون بكل ما يستطيعون على إنجاح مشروعه، هؤلاء الذين يتركهم نهبًا للظنون والشك وحملات التشكيك من أهل الشر فى كل ما يقوم به، وقد تسرب كثيرون من معسكر أهل الخير، ووقف بعضهم على الحياد، وتحول بعضهم إلى خصوم، لسبب بسيط أنهم لا يعرفون شيئًا عما يجرى على الأرض، ولا يفهمون كثيرًا مما يدور حولهم.
ستقول إن الرئيس يراهن على شعبيته لدى مؤيديه، هؤلاء الذين يصدقونه، ويمنحونه ثقتهم بلا حدود، لأنهم يعرفون أنه يعمل من أجل هذا الوطن بإخلاص ودون انقطاع، وهو كلام صحيح جدا، لا يمكن لأحد أن ينكره أو يزايد عليه، لكن من قال إن الثقة وحدها تكفى؟ ومن يستطيع أن يجزم بأن هذه الثقة لا تهتز.
لقد منح المصريون ثقتهم لرئيسهم عندما تحدث معهم بصراحة عن الأخطار التى تحيط بهم، طلب منهم تفويضًا لمواجهة الإرهاب والعنف المحتمل، فلم يناقشوه فيما قال، خرجوا بالملايين يمنحونه ثقتهم، بل طالبوه بأن يكمل مشواره ويرشح نفسه للرئاسة، وهو الذى كان زاهدًا فيها، لكن عندما أخفى عنهم كثيرًا مما يفعله بدأت الثقة تهتز.
عندما كان الرئيس يتحدث عن مشروعات عملاقة دون أن يعلن عنها تحسبًا لأهل الشر، استغل أهل الشر الأمر وحولوه إلى سخرية، وهو ما كان له أثرًا سيئًا على مؤيدى الرئيس، لكن عندما بدأت المشروعات المهمة والعملاقة تتوالى، رأينا التفافًا حول الرئيس من جديد، وهو ما يعنى أن المعلومات وحدها هى القادرة على تبديد كل قلق، والحفاظ على الثقة، فالشعوب لا تمنح تفويضًا على بياض، ولكن من حقها أن تعرف، لأنها عندما تعرف تمنح تأييدها بلا حدود.
لقد تابع المصريون بألم وحزن رحلة رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى ٤ دول إفريقية، نعرف أن هناك علاقات تاريخية بين إسرائيل والدول التى زارها، ونعرف أن إسرائيل تسعى جاهدة للسيطرة على إفريقيا، فهى دولة تعمل من أجل مصالحها، ولا يمكن أن يعيب أحد عليها ذلك، لكن مصدر الحزن والألم أننا لم نر رأى العين تحركات لمصر فى إفريقيا.
سيخرج علينا البعض ليقولوا لنا لا تقلقوا، مصر تتابع عن قرب ما يحدث، مصر تتحرك بنشاط وهمة فى إفريقيا، مصر تملك ملفات كثيرة وحيوية، لكن ليس كل ما يعرف يقال، وأثبتت الأيام أن مصر كانت موجودة، وأنها لم تتأخر عن دورها فى القارة حفاظًا على مصالحها، وحفاظًا على مكانها ومكانتها.
سيصدر ذلك تمامًا، لكن هذا لا يكفى، فالمواطن العادى الذى تستهدف جهات عديدة عقله، تلعب فيه وتعبث به، يحتاج أن يعرف، أن يشعر بالفخر هو الآخر أن دولته تتحرك، أن لها مكانا ومكانة وقدرا وقيمة، الإعلان عما يحدث مهم، فنحن لا نسرق، حتى نخفى ما نسرقه، ثم أننا لا نعيش قصة حب مع النظام حتى نفرح بالمفاجآت والهدايا غير المتوقعة.
أهل الخير يا سيادة الرئيس أكثر، وهم يريدون أن يعرفوا ما يحدث على الأرض، فلا تتأخر عنهم أكثر من ذلك.