صفحات باسم «مهرة» و«منال» و«سلامة» تحصل على أموال من مواطنين بالاحتيال
تعلن عن جوائز بمئات الآلاف من الدولارات لاستقطاب الضحايا
حمدان بن راشد: حساب مزيف يحمل اسم شقيقتي
استغلال جواز سفر مزور باسم ابنة «بن راشد» في تنفيذ العمليات
ملايين الدولارات، وسيارات فارهة، وسبائك ذهبية.. أبرز الأشياء التي يستخدمها مجموعة من النصابين المحترفين لاستدراج مواطنى الوطن العربى والاستيلاء على أموالهم، تحت اسم «أبناء حاكم دبي»، فيوميًا تعلن عدة صفحات وحسابات بالفيس بوك تحمل أسماء أبناء حاكم دبى الشيخ «محمد بن راشد آل مكتوم» في الإمارات عن مسابقات وجوائز كبيرة يتم توزيعها بالجملة على الموطنين الذين استوفوا شروط المسابقة.
البسطاء صدقوا هذه الأكذوبة بنجاح، وانتشر الموضوع بطريقة واسعة بين أبناء الوطن العربى، وانهالت الردود والتعليقات من الذين حلموا بالثراء السريع وكسب المال من العائلة الحاكمة ونيل الجوائز المعلن عنها، وظنوا أنها فرصة لن تتكرر وعليهم إجادة اللعبة لتحقيق الحلم، وبعض الناس رفضوا فكرة المسابقة من الأساس وطالبوا بتوزيع المبالغ المعلن عنها على فقراء المسلمين الذين هم أولى بهذه الأموال بدلا من منحها عن طريق القرعة لأشخاص ليسوا بحاجة لها، وقالوا إن الأجر في ذلك أعظم، لأن هذه الأموال أمانة.
نجد لكل أبناء الشيخ محمد بن راشد عدة صفحات تحمل أسماءهم وتتواصل مع الجمهور بدلا منهم.
وداخل هذه الصفحات يتم الإعلان عن مسابقات وجوائز مالية كبيرة بملايين الدولارات، وهذا ما يصدقه الناس الذين ظنوا أنهم أبناء الحاكم الحقيقيين وابتعدوا بعقلهم عن التفكير في أن الأمر به ملابسات خطيرة.
الضحايا في هذا الموضوع ليس الذين نصب عليهم فقط، ولكن أبناء حاكم دبى أيضا شوهت صورتهم دون أدنى ذنب لهم، بالرغم من أنه ليس لديهم الوقت للمشاركة بموقع الفيس بوك كما يدعى النصابون الذين انتحلوا صفاتهم بالموقع.
نجد أن الشيخة «مهرة» وهى الابنة رقم ١٨ لحاكم دبى، من مواليد ٢٦ فبراير ١٩٩٤، لها عدة صفحات بالفيس بوك، منها صفحة تحمل اسم «الشيخة مهرة بنت محمد آل مكتوم» وعدد المشتركين فيها ١٢٠ ألفا، وأعلن بداخلها عن مسابقة الآيفون ٦، بشرط أن يكتب كل عضو اسمه ثلاثيا، وعليه أن يضيف مائة صديق للصفحة حتى يدخل القرعة، على أن يتم توزيع ١٠ أجهزة يومية على الفائزين.
الأسلوب الذي اتبعه النصابون في المطالبة بدعوة الأصدقاء للصفحة هي حيلة جديدة لنشر الصفحة بين الناس، وتوسيع دائرة الضحايا ومع ذلك نجحوا في هذا باقتدار، لأنهم يعلمون أن الطماعين منتشرون في كل مكان ويرغبون في الفوز، وعلى النصاب أن ينتقى ضحاياه.
بتاريخ ١ يونيو ٢٠١٦ أعلن أيضا داخل هذه الصفحة عن جائزة ٥ كيلو ذهب خالص يتم توزيعها على ٥ أعضاء من الصفحة بشكل عشوائى بعد إرسال الأعضاء رسالة نصية تحمل جميع الشروط المطلوبة لاستلام الجائزة، وكل من يرغب في الاشتراك عليه إرسال جميع البيانات الشخصية ومشاركة الصفحة، والإعجاب بها، والتعليق باسم من أسماء الله الحسنى، وإضافة الأصدقاء للصفحة.
الدجل والنصب الإلكترونى لم يصل عند هذا الحد، حيث تم الإعلان يوم ٢٤ يونيو الماضى داخل نفس الصفحة عن جائزة كبرى وهى الفوز بسيارة «لاند كروزر» آخر موديل، وطلب النصابون من المتسابقين إضافة جميع أصدقائهم للصفحة، وهذا لزيادة فرص الفوز بالنسبة للموهومين، وتوسيع دائرة الضحايا بالنسبة للنصابين الذين طالبوا الضحايا بمشاركة الصفحة أيضا، والإعجاب بالمنشورات الموجودة، وإرسال أسمائهم ثلاثية وعناوينهم وأرقام هواتفهم في رسائل على الخاص. وبعدها تمت مراسلة الضحايا على أنهم فائزون بجائزة السيارة، وتم التواصل معهم على برنامج الواتس آب من أرقام وهمية بحوزة النصابين الذين طلبوا من الضحايا تحويل مبالغ مالية قيمة شحن السيارة إلى بلدهم.
هذا ما حدث بالفعل مع الضحية «محمد العزاوي» من تونس الذي قال لـ«البوابة» إنه فاز بسيارة قيمتها ١٣٠ ألف دولار، وطلب منه تسجيل اسمه وعنوانه في كوبونات المسابقة، وطلب منه تحويل مبلغ ١٠٠٠ دولار قيمة شحن السيارة وقام بذلك، وفوجئ بأنه نصب عليه ولا توجد جائزة من الأساس.
ومن بداية شهر رمضان الكريم، أعلن النصابون باسم الشيخة مهرة عن وظائف في جميع التخصصات في دبى، مع الحصول على إقامة، وكانت الشروط المطلوبة كالعادة هي الإعجاب بصفحة مهرة ومنشوراتها مع كتابة تعليق فيه الاسم والبلد ورقم المحمول، وإضافة الأصدقاء للصفحة. وأعلن المسئولون عن الصفحة عن مسابقة عيد الفطر المبارك، وهذه الجائزة عبارة عن مبلغ ١٠٠ ألف دولار أمريكى لكل فائز، يتم توزيعها على خمسة متسابقين من الذين حالفهم الحظ، وهذا ليكون أسعد عيد فطر في حياتهم، والشروط المطلوبة هي الإعجاب بالصفحة ونشرها فقط. من الذين صدقوا الأكذوبة فلسطينية تستخدم حساب بالفيس بوك اسمه «وردة الشتاء»، وقالت إنها يتيمة الأب والأم وتجلس على الفراش لأن الله ابتلاها بمرض القلب وتطلب المساعدة من أهل الخير لأنها بأمس الحاجة إلى الصدقات من أجل العيش، وطالبت الأعضاء بالعطف عليها بمناسبة شهر رمضان.
ورجل فلسطينى اسمه «هشام مقبل» أكد أنه أحق بالفوز بهذه الجائزة، لأنه يعول ٨ أطفال، ٤ إناث و٤ ذكور، وحالته المادية سيئة، وهو عاطل عن العمل ولديه اثنتان من بناته أصمتان وهما بحاجة ماسة لعملية جراحية لزراعة قوقعة في الأذن خارج فلسطين لإرجاع السمع لهما، والقدرة على الكلام، وترك الرجل تليفونه وعنوانه للتواصل معه.
ليس كل الناس طالبوا بالفوز بالجوائز، حيث إن البعض عارض الفكرة، وانهالت التعليقات التي ترفض اتباع أسلوب المسابقات على صفحة مهرة الزائفة وقال «خالد منصور» إنه لو صدق هذا الكلام تبرعوا بهذه الأموال أفضل للفقراء، بينما تمنى المعتصم بالله النجداوي» أن يكون هذا المبلغ من نصيب عائلات النازحين بسبب الأوضاع الساخنة في العراق وسوريا وليس للمحظوظين لأنهم ليسوا بحاجة للمال.
جميع الآراء إن كانت مؤيدة أو معارضة تم بناؤها على باطل وخداع، وهم لا يعرفون حتى الآن أن هذه صفحات أبناء حاكم دبى بالفيس بوك ليست حقيقية وغيرهما من المواقع الاجتماعية، مثل انستجرام، وتويتر، ليست حقيقية إنما هي حسابات مزيفة تديرها شبكة نصابين دولية، تهدف لجمع اللايك والشير، لتحقيق أعلى انتشار، وهذا لانتقاء الضحايا بعناية فائقة وجمع معلومات عنهم.
للأسف الشديد الحسابات المزيفة لأبناء حاكم دبى بمواقع التواصل الاجتماعى المختلفة حققت نسبة انتشار مهولة بين أبناء الوطن العربى وتتنوع أعداد المتابعين لهم ما بين مائة إلى مائتى ألف لكل واحدة منهم وهذا أمر خطير جدا.
ليس الشيخة مهرة وحدها التي يستغل النصابون اسمها، فشقيقتها الشيخة منال أيضا تتعرض لنفس المسألة، ولها صفحة بالفيس بوك بها ١٤٠ ألف مشترك، وكذلك أيضا الشيخة مريم والتي لها صفحة بها ٢٠٠ ألف مشترك، والشيخة سلامة صفحتها ١٢٠ ألفا، وأيضا أشقاؤها الرجال لكل منهم صفحات مزورة باسمهم، وكل هذه الصفحات تسرق صور أبناء الحاكم وتعلق عليها حتى توهم الضحايا بأنها صفحات حقيقية.
الحقيقة هذه طريقة ناجحة جدا في عالم النصب الحديث تتبعها عصابة دولية موجودة داخل الأردن، ونجحت في جلب مبالغ هائلة عن طريق مئات الضحايا، حيث يتم الإعلان عن الفائزين من المتسابقين داخل هذه الصفحات، ثم يطلب منهم دفع مبلغ ١٠٠٠ دولار أو أكثر قيمة شحن الجوائز.
وقد وثق الضحايا في النصابين أنهم أبناء الحاكم الفعلى لدبى، وحولوا لهم هذه المبالغ عن طريق شركة الحوالات «ويسترن يونيون»، أما في العراق يتم تم تحويل هذه الأموال عن طريق شركة «الأنوار»، والضحايا في عملية النصب ليس من نصب عليهم فقط، ولكن العائلة الحاكمة أيضا التي تم الهجوم عليها من بعض الأشخاص الذين اعتقدوا أن العائلة تتلاعب بمشاعر الناس عن طريق المال، مع أن هذا غير الحقيقة.
«البوابة» تواصلت مع صفحة الشيخة مهرة المزورة بالفيس بوك، وسألناها هل هذا حسابك الحقيقى يا شيخة لأن لك حسابات كثيرة أخرى باسمك؟ فردت النصابة: وياك الشيخة مهرة، وقالت إذا طلبت منك سلفة هل تساعدنى دون ما تعلم أحدا؟ وهذا لأنها حسب ما قالته كانت تصرف على عائلات نازحة من الحرب السورية موجودة في الأردن وتسدد لهم الإيجار لمدة ٦ أشهر، وهى الآن في مدينة نيويورك.
سألناها كيف يمكننا تقديم المساعدة، فقالت أحتاج تحويل مبلغ مالى ١٨٠٠ دولار عن طريق شركة «ويسترن يونيون» وسوف أرد لك المبلغ كاملا بعد ٤ أيام إن شاء الله.
طلبت منا النصابة الدخول معها في محادثة ببرنامج «الواتس آب»، وأعطتنا رقم محمول أمريكى حتى نثق بأنها في نيويورك، وهذا الرقم وهمى طبعا حصلت عليه عن طريق برنامج اسمه Text Plus، وهى لا تعرف أننا خبراء في هذه البرامج ونعرف حقيقة الأمر.
وفى برنامج «الواتس آب» أخبرتنا النصابة أننا في طريقنا للذهاب إلى شركة الحوالات لإرسال المبلغ المراد، فطلبت النصابة تحويل المبلغ على هذا الاسم «راشد حسين راشد السقار» في مدينة المفرق الأردنية، ولا نعلم هل هذا شريكها الحقيقى أم تم تزوير إثبات شخصية باسمه؟!
سألنا النصابة هل يوجد إثبات شخصية أنك الشيخة مهرة حتى نطمئن ونرسل لكى الأموال؟! فردت هذا حقك طبعا، وأرسلت لنا فيديو به جواز سفر أمريكى للشيخة مهرة وتقول فيه بصوت يقلدها: أرجوك يا أخى بيض وجهى وأرسل المال للناس في الأردن، وسوف أرده لك وأراضيك.
المدهش أن هذا الجواز يبدو حقيقيًا وإن كان زائفا يدل على أن هذه العصابة على درجة كبيرة من الاحترافية في تزوير جوازات بالأختام والشعارات، وإن كان جوازا حقيقيا من الممكن أن يكون قام بتصويره خلسة إحدى الخادمات، أو أحد الذين دخلوا منزل الشيخة مهرة ويعرفون عنها معلومات.
قالت النصابة التي تنتحل شخصية الشيخة مهرة: أخبرت أبى عنك وأدعوك لزيارتنا ثالث يوم العيد، لأننا نسوى مهرجانا للأطفال والفقراء وأبى يقدم لك هدية، وفى نيتى التبرع بمبلغ مليون دولار أعطيه لك تتبرع بنصفه والباقى تأخذه، وطلبت منا النصابة بعد تحويل المبلغ أن نرسل صورة من التحويل على رقم محمول داخل الأردن (+٩٦٢٧٨٨٧٢٧٣٦٠).
على الفور توصلنا لأرقام المحمول الخاصة بأبناء حاكم دبى، وحملنا هذا الموضوع إلى الشيخة مهرة آل مكتوم وشقيقتها الشيخة مريم وأخبرناهما بحقيقة الأمر، ومدى خطورة هؤلاء النصابين، وأرسلنا لهم في برنامج الواتس آب صورا من المحادثات التي جمعت «البوابة» مع النصابين، والتحقيق الإلكترونى الذي قمنا به، وكانت مفاجأة لهم، وانتبهت العائلة لما يحاك لها من هؤلاء النصابين في مواقع التواصل الاجتماعى.
وأعلن الشيخ «حمدان بن محمد بن راشد أل مكتوم» بصفحته الرسمية والوحيدة بالفيس بوك أن هناك حسابا مزيفا يستغل اسم مهرة شقيقته، وطلب من الناس الحذر من هذا الموضوع، ورد عليه أحد الضحايا بأنه تم النصب عليه في مبلغ ٣٠٠٠ دولار نظير إجراء عملية لامرأة سورية في الأردن، وقالت إحدى السيدات إنهم وعدوها بعلاج ابنها المريض في فلسطين.
قدم الشيخ حمدان الشكر لجريدة «البوابة» على موقفها في تتبع تلك الحسابات المزيفة وإبلاغ العائلة بها، وطلب منا مساعدته في تخليص العائلة من تلك الجرائم المغرضة، وتقديم كشف بكل الحسابات المزيفة باسمه وشقيقاته، قائلا إن هناك العديد من الصفحات المزورة التي تحمل أسماءهم، ويجب الإبلاغ عنها.
وأكد حمدان لـ«البوابة» أن جواز السفر الأمريكى المنسوب لمهرة شقيقته والذي يستخدمه النصابون في إيهام الضحايا بأنهم أبناء حاكم دبى مزور وغير حقيقى، وقال إن إدارة الفيس بوك تغلق يوميا مئات الحسابات التي تحمل أسماءهم، لكن أول مرة تسمع العائلة عن مسابقات اللايك والشير التي نقلتها البوابة لهم، وتم التأكد منها، وهذا ما أزعج العائلة كثيرا.
وتسعى الأسرة الحاكمة في دبى لمخاطبة السلطات الأردنية للتحقيق في الأمر، لأن عصابة الحسابات المزيفة موجودة داخل محافظة المفرق، ويمكن القبض عليهم هناك، كما نقترح أن تقوم الأسرة الحاكمة بعدة تحذيرات في وسائل الإعلام لتوعية الناس مع التنويه بعدم وجود حسابات لهم بمواقع التواصل الاجتماعى سوى الحسابات الرسمية المعلن عنها.