الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

اللهم لا تجعلني "أبو هشيمة"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


لا حديث في مصر الآن إلا عن رجل الأعمال الشهير "الملياردير الجامد" احمد أبو هشيمة ، عيني عليه ساقعة وباردة .. حوت حديد التسليح في مصر ، ولعل مبعث هذه الظاهرة أن الشاب الأنيق لا يخفي مقدار ثرواته الطائلة ، ربما من باب إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ، خصوصاً حين قرر شراء أسهم العديد من وسائل الإعلام والتي كان آخرها فضائية "أون تي في" من "الملياردير الغلبان" نجيب ساويرس وتردد أنباء شبه مؤكدة عن شرائه صحيفة الشروق ، هذا طبعا إلى جانب فضائية سي بي سي التي أضيفت إلى النهار وقبل كل هذا مؤسسة "اليوم السابع" الإعلامية .
وكان رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، قد أشترى أسهم الشركة المالكة لقنوات "أون تي في" بنسبة 100% من مالكها نجيب ساويرس قبل شهر رمضان بأسابيع قليلة، وأكد خلال البيان الذي صدر من الطرفين عقب شرائه للقناة أن الاستحواذ عليها هو خطوة أولية ضمن مجموعة خطوات ومشروعات إعلامية مستقبلية أخرى سيتم الإعلان عنها تباعًا مما يبشر بأن هناك مؤسسات إعلامية أخرى في طريقها للانضمام إلى الشاب المبتسم أبو هشيمة الذي يحلم فيما يبدو بأن يتحول إلى "روبرت ميردوخ" الإعلام العربي .
وكعادتها تهبط الأفكار الغريبة على رأسي فتذهب النوم من عيني لدرجة أنني ظللت أحسب كم يلزمني من العمر لأصبح مثل هذا الرجل ، مع ملاحظة أنني ويعلم الله تعالى لست من هواة الحسد أو "القر والنق" على خلق الله فأنا أسعد الناس بما قسمه الله لي ، ووجدت أنني أحتاج ربما 16 ألف عام مما يقبضون ، هذا على اعتبار أنني سأمارس هواية عم "مأمون" في اكتناز الأموال وعدم بعثرة أموالي على ساندويتشات الفلافل السوري التي لا يشتريها إلا المبذرون ليكون معي مثل ما معه، وطبعا إذا حولنا هذه السنوات إلى شهور فلن أقول لكم العدد المطلوب .. أما إذا حولنا هذا الرقم إلى أيام فان الآلة الحاسبة ستصاب بلوثة ولن تعطي نتيجة مفهومة .
وهنا وجدت أن من الأسهل أن أبتهل إلى الله بالدعاء التالي: "اللهم اجعلني أبو هشيمة"، وأوضح لقرائي المعدودين على أصابع اليد الواحدة أن هذا ليس طمعا في المال أو حبا في الثراء ولكن لأحقق عدة أحلام تراود خيالي المنهك دائماً من أمثلتها:
محاولة إدخال البسمة على شفاه كل بائس وعلاج كل مريض في مستشفى تليق بآدميته .. ومساعدة كل شاب وفتاة في إيجاد شقة تجمع بينهما في الحلال وتوفير فرصة عمل لكل متعطل بدلاً من أن يتخطفه اليأس والإرهاب .. وبناء مدارس راقية لتعليم أبنائنا بدلاً من تجهيلهم وأن أتبرع لكل المؤسسات العلاجية التي تمزقت قلوبنا ونحن نشاهد مرضاها في شهر رمضان وأن أشتري الشاليه أبو 441 ألف جنيه بس ومعاه شقة في "ماونتين فيو" وليه ما تكونش فيلا ثلاثية الأبعاد زي بتاعة حسين فهمي .. وقبل كل هذا شراء موتور مياه "عفي" لعمارة "يعقوبيان" التي أسكنها بدلا من معاناة إقناع باقي السكان بضرورة الوقوف على قلب رجل واحد لحل أزمة عدم وصول المياه وقبل كل هذا وذاك مد يد العون لحكومتنا التي تعاني عجزا أبديا في الموازنة يضطرها دائما للتضحية بالشعب حتى تعيش الحكومة .
وعند هذا البند الأخير بالتحديد أفقت من غفلتي وعدت إلى رشدي وتنازلت عن دعائي بأن أصبح "أبو هشيمة" ورجوت الله سبحانه وتعالى أن يجعلني مثلي أنا، وأن يلهمني القدرة على الصبر والاستمتاع بأنعم الله التي لا تقدر بمال وأن أحاول تحقيق كل ما أتمناه وأن أتصرف وأنا معي الجنيهات وكأنني صاحب مليارات، وأيقنت أننا في ذلك الحين ستكون الدنيا حقا بخير .
فإزاء هذه الأحلام الأسطورية فضلت شراء راحة "دماغي" بل ودعيت الله لأبو هشيمة وأمثاله من إخواننا أصحاب المليارات الذين بكل تأكيد لا يعرفون الراحة يوماً ما ، فوجدت أنه من الأفضل دائما الابتهال إلى الله الخالق الرزاق القادر وحده على صنع المعجزات أن يديم علي نعمة الرضا بالمقسوم وعدم منح الأمان للدنيا "الفانية المتفاتة" وأن يذهب عن رأسي فكرة إني أكون مثل أحد وأن أكون مثل نفسي فقط وأن أعيش كأغنى الناس وأنا في جيبي بضع جنيهات معدودات .. وأن يديم عليا افتخاري و"فشخرتي" وأنا أضع "رجلاً على رجل" وأنا جالس على مقهى "العمدة" في جمهورية شبرا وأنا أحتسي قدح القهوة "المانو" التي أعشقها وأمسك بيدي "خرطوم الشيشة معسل السلوم" وأنا أعطي "النادل" جنيهاً زيادة فوق الحساب على سبيل "البقشيش" .
وألا أتردد في مساعدة محتاج ولو بابتسامة حنونة ودعوة شفوية غير مشفوعة بعملات ورقية .. فهذا في تقديري المفهوم الحقيقي للسعادة .. أن ترضى بما قسمه الله لك وأن تسعى لرسم الابتسامة على وجه أوشك على اليأس وأن تمسح دمعة حزين .. نعم فنحن نحتاج إلى من يعطي وينسى ويأخذ ولا ينسى، إلى من ينحني ليرفع الآخرين، إلى من يحب الناس جميعا لا فئة دون أخرى، إلى من يسعد بفقره كسعادته بغناه، من يشكر الله في الضراء مثل السراء، عندئذ سأظل أغنى الناس .. على الأقل في مرآتي الخاصة .