الخميس 27 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

محمد العسيري يكتب: عرفتهم "30".. علي الحجار.. ورد المحبة في السنين البور

محمد العسيري وعلي
محمد العسيري وعلي الحجار
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أكثر واحد ممكن يتعبنى لو جيت أكتب عنه.. هو على إبراهيم الحجار.. فمن أى باب بالتحديد يمكنك أن تدخل لنجم يمتلك فى حنجرته نصف الغناء العربى وربما يزيد؟! عندما التقيته أول مرة فى عام 1990م كان قد غنى رباعيات صلاح جاهين و«أوراد فؤاد حداد» و«تجليات سيد حجاب» والتهم «جناين الأبنودى».. وفات على «غيطان عبدالرحيم منصور».. وقرب يخلص على بحيرات عصام عبدالله وجمال بخيت.. طب واحد بيغنى لكل دول.. أنت ممكن تقعد معاه إزاى وهتتكلم معاه فى إيه.. واحد واخد المشايخ من أول الحريرى.. وزكريا.. وعلى محمود.. ومخلص على سيد مكاوى.. وبيلعب كورة مع الموجى.. وفى وقت فراغه بيتسلى مع بليغ حمدى.. إيه اللى ممكن حضرتك تعمله مع واحد زى ده. 
«كنت قد حصلت على موعد لإجراء حوار صحفى معه فى كواليس مسرحية يشاركه فى بطولتها صلاح السعدنى والميعاد اتضرب ٣ مرات.. وقررت أن أنسى كل محبتى له.. وأروح أديله كلمتين فى جنابه وأمشى.. وبمجرد أن رأنى لقيته بيقولى وهو يتصبب عرقًا بعد نهاية العرض «أنا آسف جدًا يا أستاذ والله ما أقصد.. بس إنت لو لسه عندك رغبة نعمل الحوار.. تعالى نروح نسهر فى أى حتة بعيد عن وسط البلد، وفى السيارة عرفت إنه أحسن واحد يضرب مواعيد.. دون أن يقصد.. وأن وزير الثقافة فاروق حسنى كاد أن يجن فى يوم من الأيام بسببه لأنه لم يذهب لافتتاح حفل مهم.. وأن عشرات الأعمال المهمة ضاعت منه بسبب هذه الحفلة.. وأضاف ببساطة:
«أنا أبقى جايلك علشان نتقابل الساعة ٩ كل ما أتحرك ألقى واحد صاحبى أقول طيب أقعد معاه ١٠ دقائق تمد لساعة.. أتحرك ألاقى حد صاحبى غيره أقول أشرب معاه شاى ولسه باقى على ميعادك نص ساعة فجأة ألاقى الميعاد راح.. كان الحجار يعتذر لى وأنا الذى أقابله لأول مرة.. بشدة أخجلتنى.
وجلسنا نتحدث فى بهو أحد الفنادق الكبرى - لم يعتد السهر فيه ولا يعرف أحد أنه هناك - أربع ساعات حتى طلعت الشمس، والغريب أننا لم نجر أى حوار للنشر.. كان كل ما تحدث فيه لا يصلح للنشر، لكنه كان يتحدث معى بصفتى صديقًا جديدًا.. ولما اكتشفنا الأمر قال لى «اكتب اللى أنت عاوزه من اللى أنا قلته».. ولو عاوز تخليها صحوبية يبقى نتقابل بكره وسيبك من الصحافة.. وحدث.. لم أنشر شيئًا فى هذه اللحظة وأصبحنا صديقين.
«ظللت ألتقى به يوميًا من الثانية بعد منتصف الليل وحتى السابعة صباحًا لمدة ٥ سنوات قبل أن أكتب له أغنية واحدة.. وكان فى كل مرة يستمع إلى قصيدة منى أو من أحد أصدقائنا كان يسألنى: «هو إحنا مش هناكل عيش؟!».. وأرد «أنا مش بتاع أغانى».
تعودنا أن نسهر فى «أوديون» ثم انتقلنا إلى «كارلتون» ثم إلى الجريون وأحيانًا فى مكاتب ومنازل واستديوهات.. كنت معه فى تصوير وتسجيل «تجيش نعيش»... وحضرت كيف تم اختيار داليا البحيرى، كانت موظفة استقبال فى أحد الفنادق لتشاركه بطولة كليب الأغنية.. حضرت تصوير وتسجيل «مكتوبالى وذئاب الجبل» وعشرات الأغنيات.. سجلت له عشرات غيرها من أغنيات خاصة لم تصدر بعد.. شفته وهو يعانى ويدوس على نفسه من ألم الظهر وآلام أخرى أكثر حدة وشراسة.. شفته فى أيام سودا كانت الضرائب بتطارده بحفلات لم يذهب لها.. شفته فى لحظات سعادة نادرة بميلاد إبراهيم ابنه الذى سماه على اسم والده، أو بثينة التى سماها على اسم والدته، أو فى لقاءات عابرة مع جمهور فاجأه، وهو يخرج من منزله فى صباح باكر والأطفال ذاهبون للمدارس، وعند اكتشافهم له يغنون «صلينا الفجر فين... صلينا فى الحسين».. وشفته أيضًا فى أصعب لحظات حياته وهو يودع والده عم إبراهيم، وهذا هو السر الأكبر فى حياة على الحجار. 
أخبرنى «على» أن المخرجة علوية زكى تريدنى لأقوم بعملية «تصحيح لهجة» لمسلسل اسمه «رسالة قطر» تدور أحداثه فى الصعيد.. وتكاسلت عن الأمر فتصور أننى «أستعلى» أو أن الشاعر الذى يسكننى يرفض ذلك.. ولأنه شخص عزيز النفس جدًا خشى أن يصارحنى بذلك.. فأوعز لأحد أصدقائى وأخبره أنه طلب منى كثيرًا أن أعرض عليه بعض ما أكتب من أغنيات لكننى لم أفعل.. وأنه يخجل أن يطلب منى مجددًا. 
فى اليوم التالى أخبرته أن ما أكتبه أشعر بأنه لا يليق به.. وأن الصوت الذى غنى لكل هؤلاء الأساتذة ماذا سأضيف إليه؟! فقال لى بغيظ وكان معنا الممثل محمد كامل «يا أخى أنا صعيدى أكتر منك.. والدى من بنى سويف وأمى من قنا أنا مولود فى إمبابة.. حد قالك إنى ممكن أجاملك فى شغلى».. وكان أن أهديته أغنيتين إحداهما من ألحان وجيه عزيز.. لكن وفاة منتج ألبومه فى حادث مفاجئ حالت دون ظهور أى من الأغنيتين - حتى اليوم بالمناسبة - وبعدها بأيام قليلة طلبت منى إذاعة الشباب والرياضة برنامجا غنائيا لرمضان.. كتبته وكان به حوالى ٢٠ غنوة.. وعرضت الأمر على «الحجار» ولم أكن أتوقع أن يوافق على العمل بالإذاعة لكنه فاجأنى بأنه جاهز للتسجيل.. وانتقلت أجهزة الإذاعة لمنزل فاروق الشرنوبى حتى نستطيع اللحاق برمضان.. النكتة أننى فوجئت بذهابى للتجنيد قبل إكمال كتابة الأغانى.. وذهبت إلى برانيس - حته كده جنب حلايب وشلاتين - وكنت كل ليلة أتصل بفاروق أمليه ما كتبت ويعرض هو على الحجار ثم يقوم بتلحينه وتسجيله فى اليوم الثانى.. وعقب انتهاء العمل الإذاعى «ضى مصر» بأغنياته فاجأنى الحجار بأنه يريد أن نكمل ألبومًا كاملًا بنفس فريق العمل.. وأن أمامنا شهرًا واحدًا فقط حتى يصدر فى العيد.. يومها كان الحجار يقيم فى إحدى غرف فندق الماريوت.. وشعرت أننى انتابتنى صدمة - أنا أكتب ألبوما كاملا لعلى الحجار؟!
وطلبت منه أن أكتفى بأربع أغنيات وأن يستعين بعم سيد حجاب لإكمال الألبوم، فقد اعتاد الغناء له فى سنواته التى سبقت ذلك ونجحا سويًا بشكل رائع واكتسب الحجار جمهورًا شابًا غير جمهور المثقفين بألبوم «تجيش نعيش».. والمراهنة على مؤلف جديد مثلى محفوفة بالمخاطر.. لكنه بعناد صعيدى وللمرة الثانية «يا عم أنت فاكر نفسك الصعيدى الوحيد فى البلد.. أنا صعيدى زيك.. وما يصحش حد يكمل اللى بدأته.. وعم سيد نفسه لو قتلته هيرفض.. وهكذا كتبت باقى أغنيات ألبوم «رمى رمشه».. وانتهينا من تسجيله فى استديو محمود ياسين.. ولم أتخيل أبدًا أن أبدأ تجربتى فى عالم الموسيقى فى ألبوم كامل لأهم مطرب عربى فى زمنى - هذه وجهة نظرى - وصدر الألبوم واحتل قمة المبيعات لثلاثة أشهر متتالية وأذيعت أغنيته الرئيسية فى كل المحطات بكثافة كبيرة. 
سنوات طويلة أتعامل فيها مع هذا الرجل.. أعرف عنه كل كبيرة وصغيرة.. وشىء أساسى يحرك كل تصرفاته... احترامه لنفسه ولذاته وخجله غير المحدود.. لا يخجل الحجار من أن يحكى لك أنه بعد منع والده من دخول الإذاعة لم يكن هناك مورد رزق.. وأن السيدة الرائعة الراحلة والدته كانت تخيط هدومهم أكثر من مرة.. وأنه انتظر قميصه الوحيد المنشور على الحبل حتى ينشف ليذهب إلى موعده الأول مع صلاح جاهين.. لا يخجل الحجار أن يصف نفسه بأنه ابن تجربة «عبدالناصر».. ولولاه ما تعلم ولا دخل مدارس.. بالمناسبة الحجار أشول.. ورسام رائع ولديه معرض فن تشكيلى مؤجل منذ سنوات.. لا يخجل الحجار من الاعتراف بأنه «ضيع سنين من عمره بلا داعى»، وأنه ارتكب ذنوبًا يدعو الله أن يغفرها له.. ربما لو اطمأن إليك يحكى لك عن تجارب زواجه الخمسة، وحكاياته الصغيرة مع أولادة السبعة.. ربما يحكى لك كل شىء.. لكنه يخجل جدًا من أن تفاوضه فى أجر أو أن تمدحه أو أن تجامله. 
«هذا الرجل الذى تجاوز سن المعاش بعامين.. الذى يغالب آلام عموده الفقرى ليقف بالساعتين ليغنى لك فى الأربعاء الأخير من كل شهر فى «الساقية».. والذى يجلس بالساعات فى الاستديو الخاص به فى المقطم لينهى تسجيل القرآن الكريم.. ترك السهر فى وسط البلد من ١٤ سنة كاملة.. هذا الرجل يمكنك أن تضبط دموعه الممتنة لك لو أخبرته أنك تحفظ أغنيات عبدالله النديم مثلاً:
«يا لولا دقة إيديكى 
ما انطرق بابى 
طول عمرى عارى البدن 
وإنتى جلبابى 
طول عمرى يونسك صوتى 
متونسه بحس مين
يا مصر فى غيابى» 
على الحجار.. صاحبى وردة الأحباب.. هو «حس مصر لو كنتم تعلمون».. ولو ماكنتوش تعلمون برضه.. شيخى.. وعهدى.. ووردى.. ورد المحبة.. فى السنين البور.