كانت ثورة وكانت حقًا، لا يمكن لعاقل أن ينكر ذلك على ما حدث فى ٣٠ يونيو، وامتد إلى ٣ يوليو، عندما وقف عبدالفتاح السيسى بين ممثلى الشعب المصرى، ليعلن عزل محمد مرسى الرئيس الإخوانى.
لكن اللافت للانتباه وبشدة أن الدعاية المضادة للثورة، جعلت من يؤمنون بها يلتزمون الصمت أحيانا، هذا الارتباك فى الغالب يعود إلى أن أحدا لم يكتب ما جرى بعد، لم نجد بين أيدينا أحداث هذه الثورة والتمهيد لها، ثم ما تبعها من أحداث كبرى تمثلت فى معركة الإرهاب الكبرى، التى اشترك فيها الجيش والشرطة والشعب ضد جماعات مجرمة كانت ولا تزال تسعى لتخريب هذا الوطن.
بعد ثورة ٢٥ يناير، تفرغ كل من مر على ميدان التحرير ولو بالصدفة لكتابة مذكراته عن الثورة، صالوا وجالوا وكذبوا، تجملوا وأضافوا لأنفسهم أدوارا لم يقوموا بها من الأساس، وحاولوا إقناع الناس أن هذا هو التاريخ الحقيقى.
شىء من هذا لم يحدث مع ثورة يونيو، ربما لأن الذين قاموا بها، وجدوا أمامهم مهمة أخطر من عزل مرسى وطرد جماعة الإخوان من السلطة، وهى مهمة مواجهة الإرهاب الذى كان قادرا لو تم التهاون معه أن يلتهم البلد وما فيه، لقد تعرضت مصر لأكبر حرب استنزاف فى تاريخها من جماعات شيطانية كان بينها وبين الإخوان حبل سرى متين، لم ينقطع حتى الآن، وكان لابد أن ننظف الأرض قبل أن نسكنها.
ما حدث فى ٣٠ يونيو لم يكن وليد اليوم نفسه، ولم يكن ثمرة وجود الناس لثلاثة أيام فى الشارع، ولم يكن لأن مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش انحازت إلى ما أراده من ثاروا على محمد مرسى ورجاله، ولكنها كانت نتاجا لعمل بدأ من اليوم الذى دخل فيه محمد مرسى إلى قصر الاتحادية.
وقبل أن يتغابى البعض ويعتقد أن معنى هذا الكلام وجود خطة أو مؤامرة على الرئيس الإخوانى – رغم أنه يستحق التآمر عليه طبعا – سأفصل ما أقصده.
لقد تبلورت فكرة ٣٠ يونيو على مراحل، وعبر طبقات متتالية.
منذ الإعلان عن فوز محمد مرسى بالرئاسة، كان هناك فريق من المصريين يرفض النتيجة ولا يقرها، لم يهتموا بمدى نزاهة الانتخابات من عدمها، كانت قناعتهم بأن النتيجة جاءت بالخداع والإرهاب وتزييف وعى الناس، ثم إن الإخوان اعتصموا فى ميدان التحرير بسلوك بلطجى بحت، وكأنهم كانوا يقولون إن لم يفز بها مرسى فسنحول الأرض إلى جحيم.
هذا الفريق عمل من اليوم الأول على معارضة الإخوان، لم يعمل مثل آخرين، طالبوا بمنح الإخوان فرصة، ومعاونتهم على العمل، لكن هؤلاء الذين طالبوا بفرصة لمرسى سرعان ما انقلبوا عليه، ورأوه يتجه إلى الانفراد بالسلطة، والمفزع أنه لم يفعل ذلك من أجله نفسه، ولكن من أجل مكتب الإرشاد الذى كان بالفعل يحكم مصر وليس مرسى.
بدأ الغضب يتصاعد، حتى ظهرت حركة تمرد، الفكرة كانت بسيطة، لكنها وجدت دعما من الجميع، وأعتقد أن الإخوان بغبائهم منحوا الحركة زخما كبيرا، أرعبتهم الفكرة، لكنهم بغرور وتعالى الحمقى لم يعرفوا أن الحركة ليست مجموعة من الشباب، ولكنها فكرة شعب كان ينتظر فقط من يفجرها.
كل ما جرى قبل ٣٠ يونيو كان تمهيدا لثورة، أما الثورة الحقيقية فحدثت بانحياز الجيش لها، وعليه فنحن أمام مرحلتين، يشكلان تاريخا عظيما لثورة حقيقية صنع فيها الشعب المصرى مستقبله، وأثبت أنه ليس قادرا على الاختيار فقط، ولكن على الوصول إلى اختياره.
الصورة واضحة، تحتاج فقط لمن يوثقها، لمن يهدى المصريين جزءا مهما من تاريخهم، وأعتقد أن هذه مهمتنا جميعا، وعلينا أن نبدأ فيها فورا.