للمصريين لغتهم الخاصة، أخذنا من «العربية» أجمل ما فيها من تعابير وأضفنا إليها من مواجعنا وصفاتنا التى لا وجود لها فى أى لغة أخرى، ولهذا كثيرا ما تتداول كلمات تعجبنا ونستطعمها فى أفواهنا حتى ولو مش عارفين معناها، أو على الأقل لا نتوقف كثيرا أمام دلالاتها الاجتماعية والنفسية والسياسية.
ويمكننى أن أجزم أننا الدولة الوحيدة التى استحدث علماء الفورلكلور فيها معجما للأمثال الشعبية، وأكيد ده دورهم، لكن الناس دورها «تستعملها»، وتهون بيها كل صعب.
من كام سنة عمنا الراحل أسامة أنور عكاشة عمل شخصية فى مسلسل «أرابيسك»، تزوجت بعالم مصرى قام بدوره كرم مطاوع، وجاءت معه للقاهرة وذهبت إلى خان الخليلى لتجمع الكلمات الغريبة علشان تعمل فيها رسالة دكتوراه، كانت شخصية مدهشة بالنسبة لنا، وأعجبتنا طريقتها فى نطق «أمثالنا» الغريبة، واتبسطنا، وخلاص.
الآن، تطور الأمر وتاهت لغتنا وأمثلتنا فى فيض الكلمات الأغرب التى يستخدمها شباب «الفيس»، وأغضبنا ذلك فى بداية الأمر، وعملناها شغلانة، ثم بدأنا نسخر من الدراما واتهمناها بتشويه كل شىء.. طيب فينا، طيب الدراما افترت علينا، أبدا.. كشفت «سترنا» وعرت عوراتنا ولهذا نغضب، أيوه، هذه هى الحقيقة.
نحن نجل كلمة الستر وكل مشتقاتها فى «علم المترادفات» -احنا بندعى ليل ونهار ربنا يسترها معانا، وبنحب اللى يدور «ع الستر»، وبنرضى بالقليل ونقول مستورة، وبنقول كمان «جواز البنات سُترة»، وبنهدد اللى يعادينا «يا خدله ساتر»، طب تعمل إيه بقى فى اللى مش ناوى يجيبها لبر ويسيب «الطابق مستور»!
لقد غضب المشاهدون، وأهل النخبة من صناع مسلسل محمد رمضان منذ عامين عندما قام شاب فى المسلسل بحرق والده -قام بدوره محمود الجندى- وخدنا يومين شتيمة فى المسلسل واللى عملوه، واتهمنا صناعه بتجاوز الخيال وتعليم أطفالنا العنف، وتناسينا تماما أن هناك من ألقى بطفل من السادس، فى عملية انتقام سياسى فاجر، ونسينا من «حرق بيوتا بكاملها»، وقام بتهجير أهلها، ثم جاءت الحوادث تلو الأخرى ببشاعة تفوق خيال أى مؤلف، ثم ظهر الداعشيون وهم يتلذذون بحرق العشرات فى فيديوهات سينمائية عالية الجودة، وقام مؤرخون وباحثون بتأجيل عملية الحرق فى تاريخنا العربى والإسلامى.
اليوم، تحولنا جميعا إلى خطباء جوامع، نلعن سلسفيل صناع «أسطورة» محمد رمضان، لأنها تؤصل للبلطجة، وكأن هذه البلطجة غير موجودة، وأنزعجنا جدا من مشهد تجريس أحد الممثلين الذى قام بنشر مقاطع عارية لزوجة «ناصر الدسوقى» على الإنترنت، وانزعجنا من فكرة أن يقوم البطل بتلبيسه قميص نوم حريمى وزفته فى الشارع، وكان يمكن لصناع العمل أن يقوموا هم كذلك بتأجيل عملية التجريس فى تراثنا الشعبى، لكن الواقع المصرى الذى لا نريد كشف «طابقه المستور» كان أسرع فى الرد على السادة المنزعجين -ياريتهم ينزعجوا على طول- فنشرت المواقع الإلكترونية فيديو لرجل ريفى من قرية بالفيوم بالتحديد من مركز يوسف الصديق وهو فى حالة تجريس كاملة بقميص نوم نسائى، لأنه نشر صورة زوجته التى طلبت الطلاق منه.. أهل القرية قالوا إنه مختل، وتم التحقيق معه فى قسم الشرطة، الذى أفرج عنه، لكن أهل زوجته لم يشف غليلهم غير تجريسه بنفس طريقة المسلسل، فأيهما أخذ عن الآخر بالله عليكم.
ومنذ أيام نشر أحدهم إعلانا على النت عن شركة «بلطجة أون لاين» لتخليص حقوق الناس ممن يمنعونها عنهم بمقابل نسبة من هذه الحقوق، وجميعنا يعرف أن هذه الظاهرة موجودة منذ سنوات.. وجدى نخنوخ لم يكن الاستثناء الوحيد فلماذا استفحلت هذه الظاهرة حتى أصبحت على الهواء مباشرة، وعينى عينك كده، هل يزعجكم أن «أسطورة» محمد رمضان التليفزيونية تكشف الواقع عما هو أسوأ منها الآن عبر ذلك الإعلان الفضائى.
لم يعد السوشيال ميديا واقعا افتراضيا، صار وسيلة نشر أسرع، وأسهل، ولم تعد الدراما خيالا، بل مجرد عين تفضح ذلك «الستر الوهمى»، إحنا بالتحديد أسرة فقيرة ومتنيلة بستين نيلة ومصرة تقول «مستورة والحمد لله».
صحيح إحنا ماشيين بستر المولى، لكن «فواصل» مسلسلات رمضان، وإعلانات هذا الموسم الصعب شالت أى ستر عن كل الطوابق، فنحن أمام عالمين مختلفين تماما، لدرجة أن أحدهم نشر إعلانا بصحيفة يومية يعلن فيه عن بيع شقة بـ١٥ مليون دولار، فى نفس الوقت اللى فيه ناس حارقة دمها ودمنا طول الشهر علشان تلم شوية هدوم قديمة «تستر» بيهم أجساد بعض من عرايانا، إحنا عريانين يا أمم من غير دراما، ومن غير سوشيال ميديا، ومن بيدهم الأمر عليهم أن ينتهبوا إلى ذلك «الشق العظيم» الذى يتسع بين عالمين يعيشان على أرض هذه البلاد، هذا «الشق» قد يتحول فى لحظة مفاجئة إلى هبوط أرضى يبتلع الجميع.. انتبهوا ومافيش مانع تدعى برضه «ربك يسترها»!