كان لدى الأستاذ صلاح أبوسيف فكرة عن مؤسسة مدنية للمكفوفين تعمل على الرعاية بهم، وتشغلهم فى أعمال يمكنهم عملها، وتعتنى بهم فى نفس الوقت. وراح يجمع نشرات عن هذا الموضوع، ثم جاء بها إلىّ لأكتب القصة، وأشترك معه فى كتابة السيناريو والحوار، وكنت أحب العمل معه، وبدأنا ندور على بعض هذه المعاهد لنكتشف كيف يقوم القائمون عليها فى معاملة هؤلاء العميان، لكن الأستاذ بعد أن مررنا على الكثير منها جاءنى يوما وقال إنه شعر بأن القائمين عليها يعاملون المكفوفين أفضل معاملة، وبالتالى لا يصح أن نظلم هؤلاء الناس ونقرر غير ذلك. قلت له إننا كنا نلتقى بالنزلاء المكفوفين، ولكننا لم نسمع لمرة واحدة كلمة منهم، بل نستمع لما يقوله من يرأسونهم فقط، دون أن نعرف رأيهم هم، لكنه صارحنى بأنه لم يلحظ أن أى إدارة تسىء للنزلاء، وبالتالى يعتذر عن إخراج الفيلم. ولكنى كنت أرى الأمر بشكل مختلف لا علاقة له بالواقع أو عدمه، ولكن تصورت أننا يمكن أن نصنع عملا يقوم على إدارة تستغل عاهتهم كما يحدث فى كثير من البلدان العربية، كما يحدث فى استغلال عاهة أو جهل الناس وضعفهم لكى تسرق حقوقهم بدلا من أن تخدمهم. وكنت أرى نزلاء المؤسسة يمكن أن يكونوا من هذا الشعب العربى أو ذاك، وعاهة العمى تساوى الجهل بما يدور حولهم.
أما الإدارة فهى السلطة التى تحكم هذا الشعب، وبدلا من أن تساعدهم على تجاوز عجزهم استغلت عاهتهم لمصلحتها، لكنه لم يوافقنى فسكت.
وكانت البكوات تعرض عندما دعوت كل فريق مسرحية «تخاريف» لرؤيتها. وجلس صبحى يشاهد العرض بدون أن يقول شيئا أو يضحك، ولم يعجبه إخراج عصام السيد، لكنه فى نهاية العمل طلب منى أن أكتب له مسرحية مثل البكوات! قلت له إنى مستعد ولكن بشرط أن أكتبها كاملا، ثم يقرأها مرة واحدة، فوافق وقفزت فى الحال لذهنى فكرة المكفوفين، وقررت أن أكتبها على هذا الأساس. وبدأت فى كتابة المسرحية باسم (وجهة نظر) حتى انتهيت منها، ولم يقل لى أى ملاحظات عليها، وقبل أن أقرأها على الفرقة كالعادة طلبت منه ألا يعلق هو عليها، وبالفعل قرأتها عليهم، ثم سألت عن رد فعلهم، فسكت الكل ولم يعلقوا!. طلبت منهم أن يعلقوا بأى شيء، فسكت الجميع ثانية ثم تحدث أكبرهم سنا، وقال إنها لا بأس بها، ولكنها تفتقر للكوميديا، وكان هذا ما توقعته بالضبط، ورحت أحث الآخرين على أن يتحدثوا، لكنهم سكتوا، وبعد قليل تكلم الكبير ثانية وكرر أن الضحك قليل. قلت ببساطة الجمعة التى حضرتها مقدما، أنها كذلك وأردت بها تقديم عمل تراجيدى! فهل يمانعون؟ دهش الجميع وابتسم صبحى، وانفض الاجتماع على ذلك. وكان صبحى قد رشح ممثلًا طلب منه العمل معه، ورأيت أنه لن ينفع معنا، ولكنى تريثت، وبالفعل لم يعد فى اليوم التالى، وشعرت بالراحة لأنى تخلصت منه وانسحب عبدالله مشرف قائلا إن عنده عرضا للعمل فى مسرح آخر، فقلت إننا لن نقف فى طريقه فمشى. وسألت هانى رمزى فقال إنه لم يفهم ولكنه سيعمل معنا على أى حال، وكان ما زال يدرس فى معهد التمثيل. أما شعبان حسين زميل الدراسة فتحدث من الخارج فى نفس الليلة بالتليفون ليقول لصبحى بضيق إننا أعطيناه دورا تافها حتى نتخلص منه. أخذت السماعة من صبحى وقلت له إذا كنا لسنا فى حاجة إليه لما دعوناه أصلا، أو كنا قلنا له ذلك بصراحة. فسكت واقتنع. وفى أول بداية للقراءة كان يبدو عليهم عدم الاقتناع لكنهم سكتوا. وقالت هناء الشوربجى إنها لم تشعر بدورها ولكنها ستعمل معنا، وكان الغضب على وجه عزة لبيب واضحا، لكنها لم تتكلم، لكنى طلبت من صبحى إما أن تعمل وهى راضية أو تنسحب من الآن، لأنى لا أوافق أن تعمل وهى غاضبة، وفى الحال دخل لغرفته وسمعته يؤنبها بشدة طالبا منها أن تأتى فى الغد وعلى وجهها الفرحة، أو تتخلى عن دورها كما طلبت أنا بالتحديد، وبالفعل جاءت فى الغد وهى ترسم على وجهها بسمة وسعادة ولكنها زائفة.
وكان صبحى قد رشح الممثلة هالة فؤاد كبطلة أمامه، وأثناء البروفات لم تقتنع بملاحظات صبحى على تمثيلها، وبعد أيام اتصلت بى تليفونيا وقالت إنها غير مقتنعة بملاحظاته على أدائها، ولذلك طلبت أن أبلغه انسحابها من العمل، لأنها لن تستطع العمل معه، وتحير صبحى ولم يعرف أحدًا آخر لتلعب الدور.