قصة موافقة مجلس النواب على مشروع قانون بإلغاء العمل بالتوقيت الصيفى ثم قرار الحكومة باستمرار العمل بالتوقيت الصيفى تعد واحدة من أغرب القصص البرلمانية التى عاصرتها فى عملى الصحفى على مدار ٤٠ عامًا، خاصة أن الحكومة كانت مبيتة النية لإحراج المجلس وتركته ينافس القانون المقدم من ١٢٠ نائبًا دون أن تعترض عليه، أو تطلب تأجيله، سواء داخل لجنة الإدارة المحلية، أو تحت قبة المجلس.
فمشروع القانون لم يكن سريا على الحكومة بل وقعه النائب محمد العقاد ومعه ١٢٠ نائبا وأرسل إلى الحكومة عبر الوزير مجدى العجاتى، وجرت مناقشته فى وجود الحكومة، دون أن تعترض، أو حتى يطلب الوزير العجاتى تأجيل مناقشته وإقراره.
والغريب أن هذا القانون تم تفضيله ومنحه الأولوية على مشروع قانون تشكيل المجلس الأعلى للصحافة حبيس أدراج البرلمان، وفور إصداره من المجلس هلل النواب، وأنهم حققوا انتصارًا كبيرًا على الحكومة، حيث جاءت موافقة مجلس النواب بعد ١٢٠ دقيقة من تأكيدات رئيس الوزراء لرؤساء الهيئات البرلمانية داخل مقر مجلس الوزراء بعدم إلغاء التوقيت الصيفى.
وهذه الفرحة البرلمانية لم تدم أكثر من ٢٤ ساعة، حتى خطفها الوزير العجاتى وطار بها بعد أن أخطر المجلس بأن الحكومة دفعت ٨ ملايين دولار لهيئة الطيران المدنية لتطبيق التوقيت الصيفى، وفى نفس الوقت ربما قد طلب من زملائه فى مجلس الدولة تأجيل إرسال الرأى بشأن هذا القانون للمجلس لحين سريان التوقيت الصيفى فى ٥ يوليو الحالى حتى ينفذ كلام رئيس الوزراء وليس كلام مجلس النواب.
فمن حق المستشار العجاتى كوزير فى الحكومة أن يدافع عن قرارات الحكومة وينحاز لها، باعتباره وزيرًا فى الحكومة، وقد حقق ما أراد، ولكن من حق المجلس أيضا أن يدافع عن قراره، وكان يمكن لرئيس المجلس إزاء تأخر رد مجلس الدولة أن يطلب من الحكومة هى الأخرى تجميد قرارها بشأن بدء التوقيت الصيفى لحين وصول رد مجلس الدولة.
فقصة التوقيت الصيفى أثبتت ما لا يدع مجالا للشك أن كلمة الحكومة هى العليا، ولا يمكن أن تتنازل عن قرارتها، بينما مجلس النواب يمكن أن يتنازل عن قراراته، لأن العصمة الآن فى مجلس الدولة صاحب التشريع الحقيقى بسبب المادة «١٩٠» من الدستور، التى جعلت حق التشريع فى يد مجلس الدولة وليس مجلس النواب، وأهدرت مبدأ الفصل بين السلطات، وكشفت عورة من عورات دستور ٢٠١٤.
فالحكومة تعاملت مع قصص إلغاء التوقيت الصيفى عند طرحه للنقاش داخل لجنة الإدارة المحلية، وفى الجلسة العامة، وفى حضور العجاتى ووزيرى المالية والتخطيط بطريقة «ودن من طين وودن من عجين»، ثم عادت فى الجلسة الثانية وتنبهت لمخاطر تنفيذ الإلغاء، وأنها ستدفع غرامة جديدة لمنظمة الطيران المدنى سيضيع عليها مبلغ ٨ ملايين دولار، أى ما يعادل ٦٠ مليون جنيه مصرى، وطلبت العدول عن الإلغاء وتأجيل ذلك إلى نوفمبر المقبل.
وكل الشواهد والتصريحات الحكومية تؤكد أن الحكومة سوف تكسب هذه الجولة من مجلس النواب، وأن قانون الإلغاء ربما يظل لبعض الوقت وديعة لدى مجلس الدولة لحين الاتفاق بين رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب على مخرج قانونى يحفظ للجميع مجلسا وحكومة اعتبارهما، وألا يخسر المجلس الحكومة بسبب ٦٠ دقيقة، أو حتى ٦٠٠ دقيقة، وأن يظل المجلس والحكومة «إيد واحدة»، وعبور هذه الأزمة وتطبيق القانون من نوفمبر المقبل.
فقصة التوقيت الصيفى أكدت لنا أننا افتقدنا أسطوات البرلمان، وأيضا افتقدنا معالجة مثل هذه المواقف دون الحاجة إلى إحراج أى طرف للطرف الآخر، وأصبح لدينا وزراء فى الحكومة يعانون من الزهايمر، ويتسببون فى أزمات للحكومة مع المجلس، ومع القضاء، دون إدراك لخسائر هذه الأزمات.
ومجلس النواب لأنه مجلس قليل الحيلة وعلى استعداد للتنازل دائما والتراجع باستمرار، فليس أمامه من حل سوى تطبيق ما يسمى بالتوقيت البرلمانى وليس التوقيت الصيفى، على رغبة الحكومة ليس التوقيت الحالى المطبق حاليا، ولكن التطبيق يتم للتوقيت البرلمانى، وهو توقيت يعتمد على تأخير عقارب الساعة ٦٠ دقيقة، وهى المدة الزمنية التى تتأخر فيها فقد جلسات مجلس النواب دائما.