داعش هي إحدى أدوات الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذ مخططها الداعي لتفتيت المنطقة العربية، وإضعاف قوتها ونحر جيوشها وإعادة التقسيم مرة ثانية في سايكس بيكو جديد بعد مرور مائة عام على الاتفاقية القديمة التي عقدت بين الدولتين الكبيرتين وقتئذ إنجلترا وفرنسا.
لم تعد الحروب المباشرة هدفًا مقصودًا لتحقيق الطموح السياسي والعسكري للدول الكبرى، ولذلك سعت القوى العظمى أمريكا بعد انفرادها بتصدر المشهد وسقوط الاتحاد السوفيتي إلى خوض حروبها بالوكالة، فعمدت لدعم الجماعات الدينية في العموم والمتطرفة في الخصوص حتى تكون أداة ضغط على الأنظمة القائمة والمستقرة في المنطقة.
هذه التنظيمات نشأت في بيئتنا العربية، ولا يمكن لأحد التشكيك في ذلك، فبأيادي عربية وإسلامية نشأت هذه التنظيمات ومن خلال اجتهادات أيضًا غير صحيحة بالنسبة لمفهوم الدين، ولكن السؤال المطروح، من وراء النشأة والدعم المادي والدعم الوجودي فيما بعد؟، وما الهدف من هذا الدعم؟، إجابات هذه الأسئلة تكشف الستار عن الداعم الحقيقي لوجود هذه التنظيمات.
ولكن هناك طيلة الوقت وقبل أكثر من خمسة عشر عامًا، وقفت الولايات المتحدة الأمريكية تدعم وجود هذه التنظيمات، وتوفر لها البيئة وتُهيئ لها الحاضنة حتى تفرز هذه التنظيمات أجيالًا من الإرهابيين يملئون الشرق والغرب عنفًا وإرهابًا، وهنا تسهل المهمة وتفتت المنطقة العربية ويشوه الإسلام، وتستطيع هذه الدول الوصول والحصول على البترول بأسعار زهيدة، ولعل ذلك يفسر وجود تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية "داعش" كأحد أهم مصادر بيع النفط لعدد من دول الجوار على رأسها تركيا، بيع النفط بأسعار رخيصة ساعد في نهضة الاقتصاد التركي، فكلما كان المعروض أكثر من خلال أكبر عدد من الدول كلما كان السعر أقل، وهذا هدف أمريكي خالص.
كانت نية الولايات المتحدة الأمريكية تدمير العراق ومازالت تدمر الشر تجاه هذه الدولة، فاحتلالها في العام 2003 كان بدون موافقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فعمدت على تدشين تحالف للغزو، وعندما غزت أعقب غزوها دخول أبو مصعب الزرقاوي مكلفًا من أميرة أسامة بن لادن في العام 2004 أي بعد غزوها بعام، فكان بمثابة النواة الأولى لتنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية "داعش" من خلال تنظيم الجهاد في بلاد الرافدين والتوحيد والجهاد بعدما أعلنوا مبايعة القاعدة ثم تغيرت وتبدلت الوجهة فيما بعد.
استمرت الولايات المتحدة محتلة للعراق قرابة تسع سنوات وخلال هذه الفترة زهى التنظيم الوليد والصغير آنذاك حتى أصبح دولة، فعندما أراد أن يقيم دولته كان على الأراضي العراقية التي نمى التنظيم فيها أثناء وجود الاحتلال الأمريكي، بل دعنا نقول: إن التنظيم دخلها ومارس إرهابه وطور من طريقته كمبرر للرد على غزو العراق غير الشرعي للبلاد، فأمريكا كانت سببًا مباشرًا وغير مباشر لنشأة الإرهاب في العراق.
لا يمكن أن نفصل الولايات المتحدة الأمريكية عن مشهد "داعش" بأي صورة، فهي التي دعمته في العراق ونشأ التنظيم في حضنها أثناء الاحتلال، وهي التي دعمت من قبل المقاتلين العرب أثناء الحرب الأفغانية عام 1979 لتحرير أفغانستان، والدعم كان بهدفين، معلن هو مساعد المقاتلين للدفاع عن دولة إسلامية غزاها الروس وكانوا يرفضون استقلالها وداخل هذا الهدف هدف أكبر وأعم هو النكاية بالدب الروسي ومحاولة إسقاطه، ولكن الهدف غير المعلن هو دعم هذه التنظيمات الدينية الوليدة، لهدف أبعد هو استخدامها في المستقبل.
المجموعات المقاتلة في أفغانستان هي من شكلت تنظيم القاعدة، وقامت بتنفيذ عمليات مسلحة في الشرق والغرب، أراد التنظيم أن ينفض يديه من الولايات المتحدة فنفذ عمليات ضد أمريكا ذاتها، ولكننا في ذات الوقت نعترف بدور أمريكا في دعم هذه التنظيمات التي نظمت نفسها تحت أعين الأمريكان وأنشئوا تنظيمهم قاعدة الجهاد، وانسحبوا فيما بعد للمربع الأمريكي عندما غذت الولايات المتحدة العراق أمام صمت العالم وربما تأييد العالم العربي.
هذه التنظيمات نشئت بدعم أمريكي لأهداف ظاهرة وخفية، هي من أرسلت وفود مقاتليها للعراق بهدف القتال ضد الأمريكان بعدما أعطوها مبرر للعمل داخل هذه الدولة الآمنة، فنشأ تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية "داعش" في حضن الأمريكان، فمن تنظيم وليد في عام 2004 لتنظيم كبير له قواعد عسكرية ومقاتلين مدربين ظهرت ملامحه قبل خروج الأمريكان من العراق في العام 2011، خروج الأمريكان كان مرتبًا لاحتلال هذا التنظيم نفس الأراضي، قد تكون أمريكا قد خرجت من العراق عسكريًا، ولكنها تركت ما هو أسوأ منها ومازالت العراق تقاتل من أجل تطهير أراضية من احتلال هذه التنظيمات المتطرفة.
التنظيمات الدينية المتطرفة هي من مخلفات الاحتلال الذي أراد تفتيت المنطقة العربية، قد يكون الاحتلال قد ذهب بجيوشه ولكنه ترك رجالة يُحركهم كعرائس الماريونيت وقتما يشاء في الوقت والظرف الذي يريده، ولذلك لا نكون مبالغين إذا قلنا لا توجد نية حقيقية للقضاء على تنظيم الدولة من قبل الولايات المتحدة، بل نجد دعمًا في صور مختلفة ربما يكون أهمها تصريح الرئيس الأمريكي بارك أوباما عندما أطلق التحالف الدولي عملياته ضد داعش قائلًا،: "أن الهدف ليس القضاء على "داعش" وإنما للحد من قدراته"، فباتت الضربات ليل نهار بلا معنى حقيقي على أرض الواقع، وبات التنظيم يُسيطر على قطاع أكبر وينفذ عملياته في جميع أنحاء العالم، وعندما تحررت بعض الأراضي التي كان يُسيطر عليها كان بإرادة عربية خالصة.
الإرادة العربية عاقدة العزم للقضاء على التنظيمات المتطرفة ولكنها مازالت في خلافات بينية تمنعها بأريحية للتكاتف من أجل مواجهة هذه التنظيمات، فبعد خطوات في طريق إنشاء قوة عربية مشتركة لمواجهة الإرهاب تراجع الجميع!، المواجهة تحتاج عزم وإرادة وتصفية للخلافات واتفاق حول هدف أسمى، خشية أن تلعب هذه التنظيمات على تناقضات الوضع وهو ما يحدث طوال الوقت.
المواجهة لا تكون عسكرية فقط، فقد تحسمها القوة ولكن المرض متجذر داخل البيئة العربية والإسلامية ويُساعد في إنتاج الآلاف الذين يتم تجنيدهم صبيحة كل يوم وهم حاملين لأفكار هذه التنظيمات، ويحتاج لتكاتف لا يقل أهمية عن التنسيق الأمني المشترك للمواجهة، حتى يتم بتر هذه الأفكار تمامًا وقطع أي امتداد لها من خلال الشرايين المغذية في كافة أنحاء المنطقة العربية.