نتذكر جميعًا هذا الشعار الذى رفع فى أحداث يناير ٢٠١١ كتأكيد من الشباب الثائر على عزمهم الاستمرار فى انتفاضتهم ضد نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك. فجر الاثنين الماضى لم تجد مجموعة من طلاب الثانوية العامة المحتشدين فى محافظة الدقهلية هتافًا أقوى من هذا الهتاف احتجاجًا على قرارات وزير التربية والتعليم د. الهلالى الشربينى بإلغاء وتأجيل امتحانات بعض المواد.
يبدو للوهلة الأولى أن تلك القرارات هى السبب الظاهرى لثورة الطلاب، لكنها وفى واقع الأمر ليست سوى تعبير عن رفض هؤلاء الشباب الصغار لعجز وزير التعليم عن بناء منظومة إدارية منضبطة تتمتع بكل آليات الرقابة والشفافية لتمنع جريمة تسريب أسئلة امتحانات الثانوية العامة وإجاباتها.
والحق أن الشباب رفعوا نفس الشعار فى وجه مبارك لذات السبب، هو عجزه عن حماية المجتمع من مخالب الفساد بكل صوره التى تغلغلت داخل الجهاز.
الدكتور الهلالى الشربينى مسئول مسئولية مباشرة عن جريمة تسريب الامتحانات، ذلك أن الأشخاص المسئولين عن إدارة صفحات الفيس بوك ومجموعات الواتس أب التى تبيع أسئلة الامتحانات والإجابات للطلاب لا يمثلون إلا آخر حلقات منظومة الفساد المتغلغل بشكل سرطانى داخل وزارة التربية والتعليم.
ويبدو أن الأمر أبعد وأعمق من اتهام المسئول عن المطبعة السرية لأن الجريمة لا تزال قائمة، ومرتكبوها لا يزالون قادرين على الاستمرار فى ارتكابها. وهو ما يعنى أن الوزير قد فشل فى إصلاح المنظومة الإدارية التى تقود العملية التعليمية، وأن هناك من له يد أعلى من يده بحكم ما يمتلكه من أساليب متطورة فى اختراق الوزارة.
وللأسف الجميع تعاملوا مع الأمر وكأنه جريمة عادية رغم أن المسألة وبهذا الشكل المتكرر والممنهج تبدو أكثر تعقيدًا، وأكبر من أن تكون وسيلة للتكسب غير المشروع، فهناك من يقصد زلزلة ثقة جيل كامل من هذا الشباب الصغير فى دولته.
ببساطة هناك من يسعى لتقديم كل البراهين لهؤلاء الشباب التى تؤكد عجز دولته عن حماية ورقة امتحانات، وهو ما يعنى بالضرورة عجزها عن حماية وجودها أصلاً.
ما يحدث فى وزارة التربية والتعليم مرشح للتكرار بأشكال مختلفة فى باقى الوزارات والأجهزة التنفيذية للدولة على نحو متواتر وسريع أكثر مما هو عليه الآن، لا سيما أن هذا الجهاز يؤكد كل يوم أنه نقطة الضعف الرئيسية لدولة ما بعد الثلاثين من يونيو.
لذلك يبدو مطلب أبنائنا من طلاب الثانوية العامة بإقالة الدكتور الهلالى الشربينى موضوعيًا، ولا بد أن تقرأ شعاراتهم ومطالبهم على النحو الصحيح لأنها تترجم وبوضوح حجم الصدمة لدى هذا الشباب فى قدوته المباشرة والمتجسدة فى وزارة التعليم.
وأظن أنه ليس أخطر على الأمن القومى من أن تهتز ثقة شاب لم يبرح السابعة عشرة بعد، فى أهم مؤسسات الدولة المنوطة ببنائه وجدانيًا وفكريًا.
صحيح أن اقتلاع أورام سرطانية من جسد متضخم مثل جهاز البيروقراطية المصرية أمر صعب ومعقد، لكنه ليس مستحيلًا أيضًا، ولا وقت للتعامل معه بسياسة النفس الطويل.
إقالة وزير بسبب فشله فى إصلاح الجهاز الإدارى المعاون له قد يصبح درسًا لغيره، لكننا نحتاج أيضًا إلى حزمة تشريعات وقوانين تحرر القيادات التنفيذية من أغلال الروتين والبيروقراطية وقيودها، وتمكنها من البطش بكل فاسد ولو اقتصر فساده على التكاسل والإهمال.
ماذا سيتبقى للدولة والنظام السياسى إذا فوجئنا بخروج مجموعات من المواطنين تهتف برحيل وزراء أو مسئولين حكوميين أقل من ذلك؟
إن كل إنجاز تحققه الدولة تهدره البيروقراطية الصغيرة التى أضحت أشبه بالحويصلات الطفيلية والفطريات البكتيرية التى تفتت فى عصبها.