الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

زريبة يوسف ندا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحتار كثيرًا لفهم شخصية مفوض العلاقات الخارجية لجماعة الإخوان المسلمين السابق يوسف ندا، فهو الشخص الأكثر غموضًا داخل التنظيم والأكثر ثراءً أيضًا، ابتعد عن الإعلام حتى ورد ذكره على لسان الرئيس الأمريكي الابن جورج بوش، بأنه أحد الذين دعموا مَن قاموا بهجمات على الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2001، بعدها انفجر الرجل ليملأ وسائل الإعلام تصريحات ولقاءات تليفزيونية وخاض مساجلات فكرية مع قيادات في التنظيم على رأسهم د. محمود غزلان، عضو مكتب الإرشاد وأحد ممثلي الحرس الحديدي داخل التنظيم.
مفوض العلاقات الخارجية لتنظيم الإخوان المسلمين هو أكثر قيادات الجماعة دبلوماسية، وهو ما أتاح له تكوين صداقات شخصية مع عدد من الرؤساء والشخصيات ذات القرار المؤثر في العالم بعد أن امتلك تجارة عالمية، فقد لُقب في يوم من الأيام بملك الأسمنت بمنطقة البحر المتوسط ورئاسته لمجلس إدارة بنك التقوى بجزر البهاما، وقد كان وسيطًا في تحالفات وتصالحات كان أطرافها دول كبرى.
يوسف ندا، رغم ذكائه الذي استخدمه في تنمية استثماراته التي بلغت حيزًا كبيرًا في كافة أنحاء العالم يفقد أعصابه ويصف الدولة المصرية بالزريبة، والأدهى أنه مُصِر على استخدام ذات التسمية بعد أن عاوده المذيع المراوغ أحمد منصور على قناة الجزيرة القطرية طالبًا منه التراجع عن الوصف خشية أن يجر عليه انتقادات لاذعة، إلا أن الرجل أصر عليه بطريقة لم تختلف كثيرًا عن تلك التي فقد فيها المرشد السابق محمد مهدي عاكف أعصابه عندما قال: "طز في مصر".
إصرار يوسف ندا على وصفه لم يختلف كثيرًا عن إصرار مرشد الإخوان السابق عقب كل تصريح يتورط فيه أو يورط جماعته من خلال أوصاف قادحة في حق الدولة المصرية لا في حق أشخاص، وهذا مربط الفرس وسر تعليقي على تصريحه.
تجمع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين مدرسة فكرية واحدة، لا يغرك وجود اختلافات بين بعض القيادات، فكلهم تلقوا من معين واحد وتحكمهم أدبيات واحدة، ولذلك لا نكون مبالغين إذا وصفنا الجميع في واحد قوالب صماء، مَن يحاول التحرر أو التمرد يكون عناد التنظيم إما الحرمان من القيادة أو التصعيد في التنظيم أو تجميد مؤقت لعضويته، فهو داخل التنظيم ولكنه حقيقة هو خارج التنظيم أو الخروج من جنة الجماعة، حتى أدرك الجميع أن التنظيم كالبنيان المرصوص يجمعه الشكل واللون الواحد لا اختلافات وهو ما نعنيه بالقوالب الصماء.
كلٌ من يوسف ندا ومهدي عاكف، قياديين في التنظيم، الأول كان مفوضًا للعلاقات الخارجية سابقًا ووصفه الثاني الذي تولى منصب المرشد العام للتنظيم داخل وخارج مصر بأنه في منصبه لو أراد، فالخطأ الذي ارتكباه بحق الدولة من سب وقذف وجب الاعتذار ولو بعد حين، وهو ما لم يحدث ويدلل على وضعية الدولة في مفهوم الجماعة.
وصف "ندا" مصر بالزريبة بعد أن ترك الوطن قبل أكثر من خمسة وعشرين عامًا وحصل على الجنسية الإيطالية، فما يجمعه بمصر وجود قيادة تنظيم الإخوان بالقاهرة فقط، فلم يفكر في زيارتها أو الاستقرار فيها حتى بعد أن تولى الإخوان السلطة في مصر منتصف عام 2012.
فقدت جماعة الإخوان المسلمين القدرة على التحكم في نفسها فصارت لا تحمل إلا سبابًا للدولة ومؤسساتها وللنظام السياسي دون أن تدخل في معركة فكرية توضح من خلالها الآليات التي ترى أنها قادرة على أخذ الوطن للأمام سياسيًا واقتصاديًا، كما أنها فقدت شرح أو تبرير أسباب فشلها في إدارة الحكم على مدار عام كامل، فلم يعد أمامها إلا السباب بأقذع الشتائم، وهو ما يؤكد خلو الذهنية الإخوانية من أي مضامين لها علاقة بالتطور الحضاري أو المشروع السياسي الذي تصدره الجماعة كدليل على تميزها.
وصف يوسف ندا للدولة المصرية وإصراره على الوصف بأن "مصر زريبة" لم يكن مفاجئًا ولكنه كان كاشفًا، وأكد فهمنا للعقلية الإخوانية التي تلجأ للممازحة والسب عندما تفقد القدرة على العمل أو تقديم الخطط أو تفشل وهو ما حدث، فكانت النتيجة محاولة الهروب بأوصاف رجل الشارع في مشاجرات الحوار بين أبناء الطبقة الدُّنيا.
علماء النفس يدللون على أن ما ننطقه غالبًا ما يكون له أصل مما نعتقده فيصير على ألسنتنا، كما أن الرجل صاحب العلاقات المتعددة والذي أحب التعبير عن مشكلته في النسيان فسماها النسوان، فمع تقارب الحروف يختلف المعنى كثيرًا، فما يجري على اللسان حقيقة هو جزء صغير مما يُشكل الوعي، وزريبة ندا مردود عليها.